المجتمع المتجانس والمجتمع المُنشطِر: كيف يؤدي الاستقطاب وعدم الثقة والعنف إلى النزاع؟

كتب – دانييل ليتل لموقع “فهم المجتمع
ترجمة – محمود حسني

 ما هو المجتمع؟ ما هي القوى التي نحتاج إلى أن تكون موجودة للحفاظ على تماسكه؟ وما هي القوى التي يمكنها تقويض روابطه؟

لنبدأ، المجتمع هو مجموعة من السكان في مساحة جغرافية محددة. مجموعة من الناس لها اهتماماتها، وهواياتها، وانتماءاتها. مجموعة تتفاعل مع بعضها بطرق مختلفة. تعمل، تزرع، تصوت في الانتخابات، تربي اطفالها، تشارك في المظاهرات، تدعم الحكومة، تسرق السيارات، تحضر المناسبات العامة. مجموعة من الناس بينهم روابط قوية أو ضعيفة. في النهاية هو مجموعة من الأفراد لديهم أفكار حول كيف يمكن أن تسير حياة المجتمع. ما هو العدل، ومن المستفيد من الترتيبات الاجتماعية والسياسية الراهنة.

ما الذي يجعل الناس في حاجة إلى أن يكونوا مع بعضهم البعض. بدلا من أن يكونوا أفرادا ليس بينهم علاقات؟ يجب أن يكون هناك شيء ما مشترك، شيء يربط الأفراد ببعضهم البعض، أن يجد الإنسان نفسه يعمل وهو يفكر في مراعاة الآخرين، أن تكون هناك مجموعة من القيم، والأهداف، والالتزامات، والقوانين. المجتمع القوي يتطلب درجة عالية من الالتزام والاحترام لهذه القيم والقواعد والقوانين. المجتمع الضعيف، والذي كان يخشاه هوبز، هو تكتل من جهات تعمل من أجل مصالحها الذاتية، تتنافس على السلطة والثروة. وهو الأمر الذي يجعل الحياة سيئة ووحشية وقصيرة.

أحيانا نجد أن مجموعة من الناس من الممكن أن يكونوا في الأصل مجموعات فرعية، لكل منهم قيمه وأهدافه المتشاركة. الكاثوليك والبروتستانت، الهندوس والمسلمين، البرجوازيين والبروليتاريا. كل واحد من هذه المجموعات الفرعية لديها أفكارها الدينية والثقافية المختلفة. كما أنه يمكن أن يكون لكل منهم مواقفه المختلفة تجاه الملكية الاجتماعية والنظام السياسي.

هذه المجموعات الفرعية يمكن أن يكون عندها روابط قوية بينها، وأخرى ضعيفة مع الأفراد من المجموعات المختلفة عنها. قد يكون لديهم التزام قوي تجاه قيم مجموعاتهم ولكن ليس بالضرورة نجد لديهم نفس الالتزام تجاه مجموعة القيم التي تربط بينهم وبين المجموعات الأخرى. بل من الممكن أن نجد المعايير التي يلتزمون بها في سلوكهم تجاه بعضهم البعض مختلفة عن معايير سلوكهم تجاه المختلفين عنهم.

بشكل حاسم، يمكن القول أن مجتمع به مجتمعات فرعية متداخلة يمكنه أن يمتلك هوية شاملة. هذا النوع من المجتمعات تتشارك فيه مجموعاته الفرعية مع بعضها البعض مستوى أعلى من الالتزامات مثل:

– الاعتراف بشرعية الحكومة.

– الالتزام بسيادة القانون.

– الالتزام بحرية الرأي والمعتقد وتكوين الجمعيات.

– الالتزام بحق المساواة بين جميع أفراد المجتمع.

– أن تكون هناك رغبة صادقة في حياة مزدهرة لأفراد المجتمعات الاخرى.

إنه أمر مثير للاهتمام في عالمنا متعدد الثقافات.. تصور مجتمع مختلط بهذه الصورة. مدينة كانت أو منطقة، بها علاقات متجانسة ومستقرة بين مجموعات مختلفة في الكثير من الأشياء المهمة. ولكنهم مدركين للشرعية والحقوق الأساسية للمجموعات الأخرى. ويسعون جاهدين من أجل تحسين التفاهم والتعاون المشترك بين هذه المجموعات. ولدينا في الحقيقة أمثلة جيدة على هذا.

ولكن في الكثير من الأحيان، هذه المجتمعات المتسامحة والمستقرة التي تتضمن مجموعات اثنية وعرقية متعددة أحيانا ما يتكسر استقرارها على صخور عدم الثقة والعنف والاستقطاب.  فأفراد هذه المجموعات يطورون حالة من عدم الثقة والعداء اتجاه افراد المجموعات الأخرى، غالبا ما تكون حالات معزولة وقليلة، ولكنها أيضا تكون السبب الأول في تصاعد أي صراع أو وقوع أية مذابح. لنجد الكياسة وحسن السلوك الذي كان موجودا منذ فترة قصيرة انهار تحت ضغط العداء والعنف.

إنه من المهم أن نفهم الميكانيزمات الاجتماعية والاستراتيجيات الموجودة والتي من الممكن أن تؤدي لأي من الاتجاهين: سواء تعزيز التفاهم والتعاون السلمي أو الآليات القائمة التي من الممكن أن يكون لديها القدرة على تقويض هذه العلاقات السلمية بين السكان.

ما هي الميكانيزمات التي تلعب دورا بين سكان المجموعات المختلفة وتؤدي إلى عدم الاستقرار والصراع؟ هناك بعض العوامل المشتركة تؤدي إلى انهيار أي مجتمع: عدم الثقة، الفشل في ضمان حياة كريمة، التحريض في وسائل الاعلام، تضارب المصالح على الممتلكات، الترتيبات السياسية.

كما أن بعض المجموعات والرؤساء يتسببون في إحداث توترات بين هذه المجموعات المختلفة. كما أن الاشاعات التي تشير إلى أفعال سيئة من أفراد الجماعات الاخرى تسهم في ذلك.

ما نحتاج إليه هو تشخيص هذه الأعراض بشكل دائم وتحسين أحوال المجتمع بكل مجموعاته الفرعية لكي نتجنب ما يمكن وصفه بـ “المجتمع المنشطر”.

.