لماذا تفشل الاحتجاجات الشعبية؟ إما النجاح في المظاهرات أو الانتخابات

ميكا وايت لموقع غارديان

ترجمة: أحمد مجدي

تنذر الصعوبات الأخيرة التي تواجه الحركات الاجتماعية في سعيها نحو التغيير الإيجابي – بالرغم من سرعتها الهائلة وكتلتها الماحقة –  بأن النشاط الاجتماعي activism كمجال علمي بحثي لا بديل له عن بدء مرحلة من إعادة التقييم بصورة كُلية. فالتخلص من حالة الإجماع الجبرية على أن حركاتنا الاجتماعية تنتصر في حين أننا على ما يبدو ننهزم – وأن حركات مثل “احتلوا” و”حياة السود تهم”  و”ستاندينج روك” و”شارلوتسفيل” وغيرها من تظاهرات الاحتجاج العديدة  التي تخرج حول العالم  كل يوم هي بمثابة انتصارات رغم عدم تحقيقها أي من اهدافها الموعودة –  ليس أمرًا هينًا. فأن تكون ناشطًا وتسعى لمواجهة عقيدة النشطاء الصلبة لهو أمر أشد صعوبةً بكثير من الخروج بمسيرات في الشوارع أو مشاركة تغريدات متمردة. إلا أن خطر السكوت عظيم جدًا، فعلى النشطاء أن ينهضوا لإنقاذ المظاهرات من انعدام جدواها.

إن إدراك انعدام جدوى السبل التي يحتج من خلالها النشطاء حاليا سواء في الشوارع أو على الانترنت حيث أنها لا تؤتي ثمار التغيير الاجتماعي المرجو لهو إدراك يحررنا، فنصير من خلاله أحرارًا لطرح السؤال الأهم على الإطلاق: لماذا تفشل احتجاجاتنا؟

من العواقب المؤسفة لغياب الرؤية النقدية لفشل الاحتجاجات أن التفسيرات القليلة التي نحصل عليها عادة غير كافية بالمرة. فعلى سبيل المثال، فالتفسير الأكثر شيوعاً لفشل حركة “احتلوا” هو افتقارها للمطالب. في حين أن افتقار الحركة للمطالب الموحدة خلال كل تخييماتنا الألف تقريبا حول العالم قد يكون حقيقيًا، إلا أن تلك النظرية تفشل في تفسير فشل  احتجاجات أخرى كانت لديها مطالب واضحة ومفصلة. لننظر مثلا إلى المسيرة العالمية المناهضة للحرب على العراق في 15 فبراير/شباط 2003، حيث كانت تلك أكبر احتجاجات متزامنة في التاريخ البشري. عشرة ملايين شخص نزلوا إلى الشوارع حاملين مطلبًا واحدًا: ” لا للحرب “. لكن الحرب اندلعت بعد شهر واحد رغمًا عن الرفض العالمي، فالحركة المناهضة للحرب قد سُحقت.

وبذلك فإن بإمكاننا اخضاع كل من حركتي احتلوا والحركة المناهضة للحرب على العراق إلى النظرية ذاتها، وهي أن غياب المطالب لا يمكن أن يكون السبب الحقيقي للفشل، بل إن هنالك شيء أعمق.

وللتوصل الى فهم أعمق لفشل احتجاجاتنا علينا أن نولي أنظارنا تجاه الحكاية التي توجه أدائنا كنشطاء. ما هو السيناريو الذي نتبعه عند انتفاضنا إلى الشوارع؟

فعندما يحتج مواطنو الحكومات ذات المظهر الديموقراطي في الشوارع فإنهم بذلك يحاكون الأصل التأسيسي للديموقراطية والذي مفاده أن السلطة المطلقة على الحكومات ترتكز في يد الشعب.

ولدينا هنا الكنه الأصلي الذي يحرك كافة أنشطتنا المعاصرة: “ما الحكومات إلا مؤسسات بشرية تستمد سلطتها من اتفاق المحكومين الجمعي ” حسب ما أورده الثوار الأمريكيون في إعلان الاستقلال، مبررين بذلك تمردهم. أو كما أورد الإعلان العالمي لحقوق الانسان والذي تبنته الأمم المتحدة في جمعيتها العامة سنة 1948 “أن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكومة”. إن إيماننا المغتر بتلك العبارات هو مبعث شقاء النشطاء.

لقد أضحت التظاهرات الطريقة السائدة لتعبير الناس عن إرادتهم الجمعية. لو كان صحيحًا أن حكوماتنا تستمد سلطتها من إرادة الناس وموافقة المحكومين، فإن العرض العلني لمعارضة الناس من خلال التظاهر يجب أن يكون استراتيجية ناجعة لإظهار سلطتنا على حكومتنا، ولذلك يفترض النشطاء أننا لو تمكنا من حشد قدر كاف من الناس في الشوارع فإننا – بإعتبارنا الشعب – سنستل بطريقة سحرية سلطة شعبية على النواب المنتخبين. إنه افتراض جميل لكنه لم يعد حقيقيَا.

إن الإحتجاجات المعاصرة محطمة لأن إرادة الشعب لم تعد هي أساس سلطة الحكومة، وبتعبير أبسط، فإن سلطة الشعب قد وافتها المنية، وليست التظاهرات إلا كفاح قانط لبعث الجثة. لقد حان الوقت لإتباع منهج مختلف.

ما إن يبدأ النشطاء بالتفكير في الاستحواذ على السلطة حتى ينجلي لنا أننا إن كنا نعجز عن إظهار إرادتنا من خلال الاحتجاجات فلم يعد لنا سوى مسارين: الانتصار في الحرب أو الفوز بالانتخابات.

فالاحتجاجات في الشوارع لن تحقق وحدها التغيير الذي نحتاجه.

تحق سلطات الحكومة لمن يتمكن من تغيير النظام الحالي سواء عسكرياً أو من خلال الانتخابات. إن كان للحركات النشطة أن تظل جزءًا من المعادلة فإن علينا أن نوجه قدراتنا على التظاهر والحراك المجتمعي إلى الانتصار في الحروب أو إلى كسب الانتخابات، ولن يبدو أي من المسارين مثلما تتوقع.

إني أؤمن أن كسب الانتخابات هو المسار الصحيح استراتيجيًا وأخلاقيًا، إلا أنني لاحظت أني كلما طرحت مسألة الدمج بين التظاهرات والسياسات الانتخابية يهرع معظم النشطاء الى افتراض أنني أدعو إلى استراتيجية انتخابية تقدمية بالية، وهم في ذلك على خطأ بين، فالنشطاء الراديكاليين غير مجبرين على العمل في إطار الأنظمة الحالية.

بل على النقيض من ذلك، فأنا أجد الإلهام لدى الحركات ذات الطبيعة المختلطة (حركات-أحزاب) مثل حركة الخمس نجوم في إيطاليا أو حزب ” قادرين ” في إسبانيا او حزب القرصان في آيسلندا، وحتى في الدول التي تحكمها أنظمة ذات حزبين فقط مثل الولايات المتحدة أو أستراليا بدرجة ما، فإني أرى في تلك الدول الفرص السانحة أمام النشطاء لدخول المعترك الانتخابي دون التخلي عن ثوريتهم. وأني لأتشجع مدفوعًا بتجربة حزب التحالف الجديد المغمور والذي وصلت مرشحته د. لينورا فولاني إلى أن أصبحت أول امرأة تخوض انتخابات الرئاسة للولايات المتحدة وتبلغ مرحلة الاقتراع في كافة الولايات الخمسين. وقد كان ذلك تحديًا منظمًا تطلب جمع ما يزيد عن مليون توقيع، وهو عمل عجز الحزب الأخضر عن تحقيقه عام 2016. إلا أن د. فولاني وحزب الحلف الجديد تمكنوا من تحقيقه نظرًا لقضائهم سنينًا عدة في العمل المجتمعي المنظم داخل المجتمعات الفقيرة الملونة، فعندما تدعم الحركات الشعبية مرشحا خارجيا يخرج المستحيل إلى طور الممكن.

لكن ما الذي يعنيه كل ذلك للناشط الذي يحلم بتحقيق تغير مجتمعي جوهري؟

لم يتأمل عدد كبير من الناس فكرة الاستراتيجية الانتخابية للنشطاء بالعمق الذي منحته إياها جاكلين سالت المنظمة السابقة لحملة د. فولاني للرئاسة والرئيسة الحالية لحركة سياسة ـمريكا المستقلة، وقد قدمت ساليت مؤخرًا نصيحتين للنشطاء عبر ورقة استراتيجية مختصرة.

أولَا، تشير ساليت لأن “الأحزاب الأكثر نجاحًا في الفترة الاخيرة هي’ الأحزاب المضادة’ للأحزاب، أو بعبارة أخرى فإن سعينا كنشطاء لكسب الانتخابات لا يجب أن يحاكي الشكل أو المحتوى الذي تقدمه الأحزاب السياسية الحالية، لكن علينا أن نموضع حركاتنا باعتبارها أحزابا احتجاجية – أحزاب مضادة للأحزاب – حيث يمثل صعودها احتضارًا للأحزاب الحالية.

أما نصيحة ساليت الثانية فهي الأهم، فهي في إطار دعوتها إلى “الشراكة العابرة للأيديولوجيا” تحث النشطاء على “تأجيل التفكير الأيديولوجي حاليًا والانتقال إلى الديموقراطية سعيًا ألى تقويض أسس النظام”، وربما يعد هذا المنظور مابعد الأيديولوجي أمرًا غاية في الصعوبة على النشطاء تقبله إلا أنه يمثل حتمية استراتيجية للانتخابات. ففضلًا عن التماهي الكامل لحركاتنا مع الفئات السياسية الحالية، تكمن قوة كبيرة في مداهمة النظام عبر طيف سياسي عريض يميني يساري.

وعلينا كنشطاء للتقدم إلى الأمام أن نتحدى قواعدنا المتجذرة، ونطلق مرحلة جديدة من التجارب التكتيكية التجريبية الموجهة ناحية الاستحواذ على السلطة. دعونا نتخلص الأن من أولئك الذين يكبتون في حركاتنا التفكير النقدي الجمعي لهزائمنا. فمجرد إعادة التفكير في سياسة التظاهر تقودنا إلى وجوب نشوء نهج جديد فعال للنشاط الثوري.

ميكا وايت هو أحد مؤسسي حركة احتلوا وال ستريت

فكرة واحدة على ”لماذا تفشل الاحتجاجات الشعبية؟ إما النجاح في المظاهرات أو الانتخابات

  1. مراجعة ونقد ذاتي جميلان لكنه شديد الخصوصية بظروف وخصائص الولايات المتحدة. يعني يصعب استمداد تعميمات نافعة منه. مع الشكر والتقدير للمترجم والناشر

    Liked by 1 person

.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s