تغطية – عمرو خيري
هذه تغطية جزئية لمحاضرة الباحثة أمنية خليل، التي قُدمت في إطار مشروع “سكة معارف” بالتعاون مع جمعية النهضة-الجيزويت في القاهرة في ١٦ مارس ٢٠١٩. النص لا يعكس بالضرورة المحاضرة بدقة، ولم يرصد المناقشات التي دارت حولها. أمنية خليل معنية بمجال الأنثروبولوجيا الحضرية والتخطيط التشاركي، وهي باحثة دكتوراه في برنامج الأنثروبولوجيا الثقافية في جامعة مدينة نيويورك (CUNY) ومُدرسة مساعدة في “هانتر كوليدج” بمدينة نيويورك.
النهاردة ١٦ مارس ٢٠١٩، يوم المرأة المصري، زي النهاردة في سنة ١٩١٩ حصلت أول مظاهرة للستات المصريات ومات فيها كذا متظاهرة، ومؤكد من المراجع موت ست مصرية “حميدة خليل” ولكن فيه تأكيدات إنهم كانوا أكتر من واحدة (شكل ١). بالمناسبة دي عايزة أتكلم عن مقولة “الشخصي هو السياسي”. المقولة دي ظهرت في الستينيات، وانتشرت أثناء الموجة الثانية للنسوية (شكل ٢) وإحنا إنهاردة في ٢٠١٩ في الموجة النسوية الرابعة. فكرة الشخصي هو السياسي، جزء منها بيعني إن التاريخ الشخصي للإنسان سياسي ومرتبط بالعام وإن اللي بيحصل في بيوتنا جزء من الحدوتة اللي بتحصل في الشوارع. الواحد فينا على مدار حياته بيسكن في أماكن مختلفة. تنقل الشخص الواحد مننا في مدينة زي القاهرة مثلا على مدار حياته، من سكن لسكن، ومن مكان شغل لمكان شغل، بتعرفه على خريطة معينة لأماكن تعايش معها وشافها وجربها كويس.
شكل ١ – المظاهرات النسائية ١٩١٩ – المصدر: موقع “ولها وجوه أخرى” | مارس والربيع النسائي.
شكل ٢ – الموجة النسوية التانية في الستينات – المصدر:
يمين: فوكس| The waves of feminism, and why people keep fighting over them, explained
شِمال: فيفا.ميديا| What is the Second Wave Feminist Movement?
قصة حياة كل بني آدم لها علاقة بالمكان. بنحب نحكي مثلا إزاي عزلنا من المنطقة الفلانية للمنطقة العلانية، بصفة إن الحكاية دي حاجة مهمة. قصة كل واحد فينا مرتبطة بالمكان، بالعمران. علاقة البني ادمين بالمكان هي دي جوهر مجال العمران. كل واحد فينا عنده قصة مع أحياء سكنية مختلفة عاش فيها.
هاني درويش: حياة في المكان والوقت
هاني درويش أتولد سنة ١٩٧٤. درس جغرافيا في عين شمس، كلية تربية، واشتغل صحفي لحد ما مات في ٢٠١٣. إنهارة بنقرأ حاجة له بيحكي من خلالها قصة حياته (في استعادة لثلاثة بيوت قاهرية). هاني أتولد في الخليفة في منطقة الحطابة، وأهله جايين من الحطابة. وهو صغير كان في أخر الأسبوع يروح بيت جدته في الحطابة، وبيحكي ذاكرته في المدينة بتجربته الشخصية فيها. عن رؤيته للفرق بين الحطابة والمطرية وعزبة النخل (شكل ٣)، وبيتكلم عن فروق مختلفة، مش بس رحلته الشخصية. ذاكر في الأول إنه لما اتجوز عاش في حدايق الأهرام، قبل وفاته بست سنين تقريبا. اتعمل ويب-سايت باسمه وكل مقالاته على الموقع لها بُعد جغرافي. كتابته فيها تحليل طبقي وفيه مناظير ومقاربات مختلفة وطبقات مختلفة للتحليل. وهو كان شخص سياسي مهتم بالسياسة وبتحليل العام وكل ده بان في كتاباته المختلفة. الفيلم الوثائقي العمران موقف أول تلت فيه بيحكي عن الحطابة وأهاليها ووضعهم.
شكل ٣ – هاني درويش وخريطة بتوضح المناطق اللي أتكلم عنها في نصه (في استعادة لثلاثة بيوت قاهرية) – المصدر: يمين| جوجل ايرث، شمال: هاني درويش |الكتابة الثقافي
زلزال سنة ١٩٩٢ كان فرصة “عظيمة” إن الحكومة توقف تصاريح الترميمات في مناطق شعبية كتير جدا منها الحطابة. اتمنع تصاريح الترميم في الحلمية والسيدة ومناطق تانية كتير. هاني مثلا حكى عن الحطابة اللي بيوتها واقعة والناس ما زالت عايشة فيها. ومن شغلي في ٢٠٠٩ و ٢٠١٠، كنت بابقي ماشية ألاقي بيت واقع، مفيهوش حاجة متبقية غير الدور الأرضي، أبص ألاقي ناس ساكنة في الدور اللي لسه واقف ده ومكنتش فاهمة البيت متساب واقع ومنهار كده ليه. وفهمت من السكان والأهالي إن تصاريح الترميم للبيوت موقوفة. بعين هاني درويش بيتكلم عن الناس والستات والبيوت والعيال بيلعبوا فين. وبعدين أتكلم مثلا عن انتقال أسرته من المطرية لعزبة النخل، عشان أسرته مكنش معاها فلوس للارتقاء الطبقي جوه المطرية نفسها فعزلوا عزبة النخل، بس في شقة معمولة بسيراميك وحاجة كويسة، ويمكن مساحتها أكبر مثلا. من كتابة هاني درويش مثلا أتكلم عن تجربة شخصية عن والدته، وبنشوف فيها إزاي الناس بتحب ترتقي طبقيًا، والشاهد على الارتقاء الطبقي ده هو الانتقال لمكان “أرقى” خارج مناطقهم.
كل الكلام اللي فات كنت بأحاول أحكي فيه عن فكرة “المكان”. مش هنقدر نتكلم عن المكان من غير ما نتكلم عن “الوقت”. لكن هيكون فيه جلسات تالية فيها التركيز على الوقت.
فيلم “أوقات حديثة، ١٩٣٦” بتاع شارلي شابلن، اللي فيه بيعمل دور عامل على خط إنتاج في مصنع. وبيجربوا خلال الفيلم مكنة لتأكيل العمال، عشان العمال ياكلوا من المكنة وسط ما هم شغالين على خط الإنتاج، عشان الشغل ميتعطلش خالص. وفي الفيلم بييجي لشارلي شابلن ارتباك نفسي فبيتفصل من الشغل وبعدين يتحبس، ثم نلاقيه بيفضل الرجوع للسجن عشان الأكل فيه ببلاش. قصة شارلي شابلن في الوقت ده، بيوري يعني إيه حصل تغيير في أوائل القرن العشرين، اللي سببه يعود للقرن التمنتاشر، عن آثار الثورة الصناعية في مطلع القرن العشرين. حنان حماد في كتابها “الجنسانية الصناعية، ٢٠١٦” (لسه مترجمش) بتحكي عن التغييرات المجتمعية اللي حصلت الستات والرجالة اللي راحوا يشتغلوا في مصانع المحلة في أول القرن العشرين في مصر. حنان مؤرخة بتبني كتابها على دفاتر المحاكم وأحاكمها ومداولاتها الخاصة بالعمال. اللي حصل في فيلم شارلي شابلن متصل باللي حكته حنان حماد في كتابها. وفيلم شارلي شابلن وكتاب حنان بيحكولنا عن أول القرن والتغييرات اللي بسبب تغيير أشكال الحياة والإنتاج في جغرافيات بين انجلترا ومصر.
شكل ٤ –باريس – المصدر: alamy stock photo|Aerial View of the L’Arc de Triomphe. Paris. 1930
فالتر بنيامين.. باريس.. التخطيط العمراني
باريس، تخطيطها العمراني اتنقل لوسط البلد في القاهرة، وشبه بعض في فكرة ان في ميدان طالعة منه شوارع (شكل ٤). العمارة دي في الوقت ده شبه عمارة مصر الجديدة، وشبه عمارة ميدان مهم في الهند، في نيودلهي، وعشان العمارة دي بطرازها اتنقلت من الدول الاستعمارية للعالم فاسمها “عمارة الاستعمار”. فكرة ممر بهلر في وسط البلد والبواكي اللي فيه، أو بواكي مصر الجديدة، بواكي الكوربة للعمارات، دي عمارة “الاستعمار”، ليه بنسميه كده؟ عشان سياقه التاريخي. في بلد زي مصر والهند وغيرهم كانوا مُحتلين، والعمارة اللي طلعت وقتها في البلاد دي كانت إعادة تطبيق ونقل للعمارة اللي طلعت في باريس وعواصم أوروبية استعمارية تانية. دي لحظة تاريخية اتولد فيها فالتر بنيامين، في ١٨٩٢، وانتحر في ١٩٤٠. فالتر بنيامين قصته مهمة ومختلفة، لأنه اتولد في برلين واضطر يتنقل طول حياته، ما بين برن وميونخ ثم خارج ألمانيا، وقعد في باريس فترة طويلة، ثم اضطر إنه يمشي منها قبل ما يتقبض عليه ويتحبس في معسكرات النازي في ألمانيا، قرر يعدي لكتالونيا في إسبانيا، وقالوا له مش هنعديك، فانتحر. ده كان ١٩٤٠، مع بدايات الحرب العالمية الثانية. النص بتاعه اللي قريناه انهاردة (ترجمة أحمد حسان) ده جزء من كتابة اللي أكتر من ١٠٠٠ صفحة، أوراق مبعثرة له، اتنشروا بعد موته بسنين، غالبا ١٩٨٢. الكتاب اسمه مشروع البواكي. زي بواكي ممر بهلر كده.
عشان نفهم كتابته اللي بنقرا جزء منها انهارده، نبص على الست تيمات: كل جزء من الستة متقسم بين اسم شخص واسم شيء مادي في عمران باريس (شكل ٥). أسامي الناس المذكورة منهم شعراء ومنهم مهندسين بتوع تخطيط عمراني ومنهم ملك لفرنسا (لويس فيليب). كل جزء بيحكي عن عمران باريس في القرن التسعتاشر مصحوب بأبعاد تانية. زي ربط فكرة أول تيمة اللي عن “البواكي” (شكل ٦) بعالم الرياضيات فوريه (١٧٦٨-١٨٣٠)، واللي حول الحسابات الرياضية لخطوط، اللي بتعمل الأماكن اللي عايشين فيها. لما المعماري بيصمم الخطوط بتاعت المباني بتكون لها أصول من الرياضيات، مش اعتباطية. بناء عليه، بنيامين في الجزء الأول في كلامه عن البواكي حكى عن سياقها في أواخر القرن التستعاشر وإزاي ظهرت. واتكلم كمان عن وسائل الإنتاج الجديدة، وفكرة الحديد والإزاز، الممر المقفول من فوق مثلا بالإزاز، وإزاي إن هندسيا كان لازم الإزاز يمسك في حديد. وقتها كان اول مرة العنصرين دول يتجتمعوا مع بعض كمواد إنشائية.
شكل ٥ – الست تيمات اللي في نص “باريس: عاصمة القرن التاسع عشر” – مصدر الصور: مجمع من ويكيبديا.كوم
شكل ٦ – البواكي – المصدر: يمين| اركبيبر.كوم، شمال| امازون.كوم
بعد كده في التيمة التانية بيتكلم عن الديرومات (شكل ٧)، اللي هو في مصر بنقول عليه “الماكيت”، التصميم ثلاثي الأبعاد، اللي بدأ يندثر بعد ظهور برامج الكمبيوتر اللي بتعمل ثري دي. فكرة الماكيت. بنيامين حط الماكيت في حوار مع مصور فوتوغرافي وفنان اسمه داجير (١٧٨٧-١٨٥١) معني بتصوير الطبيعة وازاي ممكن نخلي المدينة تاخد من طبيعة الريف، وكانوا مصرين في تصميم باريس على إدخال عناصر من الطبيعة في المدينة، فجابوا الريف للمدينة. زي مثلا وجود شجر، الماكيت لازم يبقى فيه نخل وشجر مصغر، إلخ. بنيامين لما بيحكي الحواديت دي حكاها بسياق وقتها، زمنها. الفكرة إننا بنتأثر ببعض، وفي نفس الوقت بنتأثر بعوامل أكبر منّا.
شكل ٧ – الديورمات – المصدر: بينتيرست.اي اس
في التيمة التالتة، أتكلم بنيامين عن المعرض العالمي “الانترناشيونال إكسبو” (شكل ٨) واللي فيه كان بيتم عرض حاجات مختلفة ما بين ترفيهي وتجاري لسكان المدينة. كان فيه كم كبير من العنصرية في المعارض دي. أتكلم في كتابته عن ربط المعارض دي برسام كاريكاتير اسمه جرانفيل (١٨٠٣-١٨٤٧)، اللي كان بيتريق على المعارض عشان بتسوق للفقراء إنهم يشتروا أكتر وبتروج للسلعة وازاي بقت مزارات للناس من جغرافيات مختلفة. اتنقلت فكرة المعرض العالمي دي لمدن وبلاد تانية في العالم. كان فيه ست اسمها “سارة بارتمان (١٧٧٠؟-١٨١٥)” اللي اتولدت في أواخر القرن التمنتاشر، كانت بتتعرض في معارض دولية كنموذج لست أفريقية الناس بتتفرج عليها في المعارض (شكل ٩).
شكل ٨ – المعارض العالمية – المصدر: اوت هستوري
شكل ٩ – سارة بارتمان واوتا بينجا – المصدر: يمين| ويكيبديا.كوم، شمال| ستيميت.كوم
الرجالة في المعرض مثلا يتلموا حواليها كشخص حي بغرض فحصه والنظر إليه كعجيبة من العجائب بسبب منحيات جسمها كست ونسب جسمها بالنسبالهم كانت جذابة جنسيا. ماتت في القرن التسعتاشر (١٨١٥) ومتدفنتش غير سنة ٢٠٠٢، عشان الفترة دي كلها، اللي هي قرب ٢٠٠ سنة كان جسمها معروض في متحف. كان فيه ولد برضه اسمه “أوتا بينجا (١٨٨٣-١٩١٦)” كان بيتعرض في أمريكا في نيويورك في منطقة برونكس، لحد ما بقي عنده ٣٣ ومات من كتر اللي اتعمل فيه (شكل ٩). ده السياق التاريخي لما فالتر بنيامين أتكلم عن المعارض العالمية. إزاي المعارض دي أثرت على بشر في مناطق مختلفة من العالم.
رابع تيمة أتكلم عنها هي “الداخل” (شكل ١٠)، دواخل الأماكن، وربطها بالملك لويس فيليب (١٧٧٣-١٨٥٠). أتكلم عن إزاي اوضة المعيشة شكلها وعفشها اتغيروا، وشكلهم اختلف، وده كان مهم لبنيامين في فكرة يعني أيه فيه مواطن وفيه انتخابات، وإزاي نبقى مواطنين متحضرين، وفكرة الحداثة، فإزاي هنعمل بيتنا وشكله كمكان متحضر إزاي، وبالتالي طراز الفرش اللي اسمه “لوي فيليب” واتطور لحد طراز العفش بتاع “لويس الرابع عشر”. التصميمات بتاعت الفرش اللي اتغيرت بسبب اللحظة السياسية ومعاها غير المواطنين قراراتهم حوالين إزاي يغيروا عفشهم. زي عندنا مثلا في مسلسل ذات (٢٠١٣) اللي مبني علي رواية صنع الله إبراهيم اللي اتنشرت سنة ١٩٩٢لما ذات قررت تغير البلاط لسيراميك في التمانينات، واتخانقت مع جوزها عشان تشتري سيراميك وتركبه في الحمام.
شكل ١٠ – الداخل – المصدر: يمين| نيني١٣ بلوج، شمال| اميكوب
أتكلم بنيامين في التيمة الخامسة عن “شوارع باريس” (شكل ١١). واللي ربطها ببودلير (١٨٢١-١٨٦٧) وهو شاعر كتب عن تغييرات شوارع باريس وتفاصيلها. ثم عندنا فكرة الشخص “المتسكع” اللي أتكلم عنها بنيامين. الشخص اللي ماشي مش في جيبه فلوس بيتفرج ع الفتارين جوه البواكي وفي الممرات التجارية في المدينة الكبيرة. بالنسبة للكاتب هو شخص مهم لأنه كان بيمثل عدد كبير من الناس في باريس وقت كتابته. الشخص اللي بيتفرج ومش هيشتري بس لازم يتفرج على كل حاجة. ولما بنقرا اكتر عن فكرة “المتسكع” لبينيامين (شكل ١٢) بنقدر نربطه كمان بسياق اسواقنا في القاهرة وحتي ازاي البياعين بيبقوا باصين ع المارة ومن طريقة خطوتهم وطريقة كلامهم البياعين بيبقوا عارف مين هيشتري ومين لا.
شكل ١١ – شوارع باريس – المصدر: بينتيريست.اي اس
شكل ١٢ – المتسكع – المصدر: يمين| أي يو بي.اي دي يو، شمال: ويكيبديا.كوم
آخر تيمة في نص بنيامين اللي قريناه انهاردة هي فكرة “المتاريس” (شكل ١٣). اللي بدأت مع الثورة الفرنسية أواخر القرن التمنتاشر، لما الناس عملت حواجز للخناق مع الأمن ولحماية حراكهم ضد السلطة. بنيامين حكى عن فكرة المتاريس وعلاقتها بهاوسمان المخطط العمراني. هاوسمان (١٨٠٩-١٨٩١) كان مخطط عمراني قلب شكل باريس من الشوارع الضيقة للشوارع الأوسع عشان تستوعب العربيات. فكرة ميدان طلعت حرب والشوارع الواسعة اللي طالعة منه، ده عمران بيحترم العربيات، على عكس عمران القاهرة الفاطمية اللي كان بيستوعب جمل محمل بضاعة، وقصاده جمل جاي في الطريق العكسي، وبناء على الحركة دي اتصممت شوارع القاهرة الفاطمية. القاهرة الخديوية مسؤول عن تخطيطها محمد علي وإسماعيل باشا.
ربط بينيامين فكرة المتاريس بإزاي ديكتاتور العمران هاوسمان بتاع باريس اللي غير شكل الحياة بتصميمه للمدينة لازم تتأمن من الحرب الأهلية ومن الاحتجاجات تحت نظام الطوارئ. صمم حاجات لمنع نشوب احتجاجات أو حرب شوارع. من أمثلة العمران ده مثلا ميدان عابدين اللي قصاده قصر عابدين. فكرة إن الحاكم يبقى شايف كل حاجة قدامه في الميدان العام المهم بالمدينة، محدش يقدر يستخبى في المساحة الواسعة المكشوفة دي. فكرة “التأمين”، إزاي هاوسمان غير شكل باريس من أجل تأمينها. بنيامين شاف المكان في وجود الناس فيه، وتأثيرهم على المكان وتأثير المكان عليهم.
شكل ١٣ – المتاريس – المصدر: ايج فوتو ستوك.كوم
العنف والمكان والوقت
عايزة دلوقتي أتكلم عن الإزاحة عن المكان كشكل من أشكال العنف. في الوقت اللي عدا اتكلمت عن المكان وعلاقته بالزمن. ممكن نستخدم عدسة “العنف” عشان ربط المكان بالزمن. أروح مثلا لحد ساكن في شقة أقول له عقد ملكيتك فين؟ تعالي أوديكي شقة أحلى أو خدي خمستلاف جنيه في إيدك وامشي من الشقة وكل ده بيورينا العنف في علاقته بالمكان والوقت، وده عشان نقدر نحلل المكان والوقت مع بعض. العنف إطار تحليلي هنا عشان نشوف ايه اللي بيحصل فيما يخص التغير في طبيعة شغل الأماكن والأحياء مثلا. بيبقى عندنا مثلا نوستالجيا للأماكن، نقول مثلا وسط البلد كانت زمان أحلى، أو الحطابة كانت جميلة زمان يا خسارة، أو اسكندرية حصل فيها ايه فين اسكندرية بتاعت زمان. غير النوستالجيا، عشان “نفهم” ايه اللي حصل للناس في المكان، مع مرور الزمن، ممكن نتكلم عن إطار العنف اللي باقول عليه وباختاره كعدسة تحليلية.
نرجع لفكرة “الشخصي هو السياسي”.. لما نحكي عن الشخصي وعلاقته بالسياسي، زي مثلا مظاهرة السيدات من ثورة ١٩١٩ اللي اتقتلت فيها اسمها “حميدة خليل”، ليه هنحكي حكايتها دي المرتبطة بالزمن والمكان؟ هل المكان اللي الستات اتظاهروا فيه في العاصمة دي من ميت سنة، هو نفس المكان دلوقتي؟ ينفع نعمل مقارنة تاريخية بين اللحظة دي واللحظة بتاعت ١٩١٩ من غير ما نتكلم عن المكان واتغير إزاي وازاي الشخصي في المكان ده اتغير عبر الزمن؟ عدسة “العنف” قد تكون مفيدة في فهم طبيعة الصراع ده حوالين المكان والبشر (أو مجال العمران) اللي بنتكلم عنه انهاردة.
مثال عن العنف وعلاقته بالمكان والوقت. أنا بصفتي ست، في القاهرة، معرفش من القاهرة غير العنف الموجه ضدي. إني ابقى مثلا ماشية في وسط البلد فحد يتحرش بيا، أو يقول كلام فيه عنف لفظي. ده عنف، له علاقة بي كأمنية اللي اتولدت سنة ١٩٨٤ وعايشة في القاهرة اللي بتمر بتغيرات كاملة ينفع نقرر نفهمها وندرسها لكل عشر سنين تقريباً، ومن خلال تحركاتي في الأماكن. فيه تفاصيل لها علاقة بي كشخص بنوعي الاجتماعي. معرفش يعني إيه فضاء عام من غير العنف. ده مش بس في القاهرة لكن كمان في نيودلهي في الهند وفي نيويورك في أمريكا. مش بس في القاهرة او في “البلاد النامية” اللي فيها عنف ضد الستات. لما أتكلم عن المكان والوقت في القاهرة دلوقتي مينفعش ماشوفش عدسة العنف، العنف المجتمعي اللي له أشكال كتيرة بنشوفها في الممارسات اليومية. لما نتحبس حتى في الإشارات مدد طويلة، ده عنف علي نفسيتك. إنك تتحبس مدة طويلة في عربيتك أو الاتوبيس مش عارف هتوصل شغلك الساعة كام. وده مرتبط كمان بفكرة الساعة في زمن الإنتاج الصناعي، الثورة الصناعية، إن الدقيقة لها تمن غالي، واستراحة الغداء لازم تبقى قصيرة مثلا. كل ده عنف. لما المصانع بدأت تفتح في مصر، وحصل تأديب للعمال والعاملات. تأديبهم وتمرينهم على قيمة الوقت. العاملة اللي تتأخر عشر دقايق عن الوردية يتخصم منها كام، ولو تأخير خمس دقايق يتخصم كذا. الوقت وتأديب البشر وتأطيرهم داخل الوقت نفسه، مع الأماكن، المصنع هنا. الرابطة الثلاثية دي مهمة جدا نبص عليها في التحليل الاجتماعي. ولما بنتكلم عن هاوسمان اللي صمم باريس، عشان نفهم المكان والناس والوقت كويس، التجميعة الثلاثية دي، رأيي إنه لازم نتكلم عن العنف كإطار تحليلي بيوضح إزاي المكان والناس بيتغيروا عبر الزمن بفعل “الإزاحة” اللي بيسببها العنف كفعل.