ثلاث محاولات لفهم جائحة الكورونا

المشي مع الآخرين (2)

عمرو خيري*

هذه المجموعة من المقالات بعنوان “المشي مع الآخرين” المقدمة في “قراءات” تباعاً، تأتي بإلهام من أفكار أستاذ الأنثروبولوجيا والمُنظّر تيم إنجولد، وهي أفكار سطرها في مقال له بعنوان “أنثروبولوجيا عالم واحد”. هذه المقالات “المشي مع الآخرين” تتبنى فكرة إنجولد عن فهم بديل للعالم: بدلاً من النظر للعلاقة بين شيء وآخر متصل به بصفتها رباط بين نقطتين أو جمادين (مُثنى جماد)، فلننظر إليها (أية علاقة) بصفتها الفرع يخرج من الجذع (كما في شجرة).

يقول إنجولد إن الرؤية الأولى للعلاقات بين الأشياء (كما بين جمادين منفصلين) يستتبعها أن العلاقة، أية علاقة، بين شيئين تُفهم دائماً بصفتها “بينية” أو بين الشيء وآخر، وعلينا أن ننتقل منها إلى رؤية أية علاقة من منطلق “المشي إلى جوار الشيء، أي مسايرته”. بمعنى آخر وبعيداً عن تعبيرات إنجولد المُجردة المُرهقة: بدلاً من أن أضع قضايا بعينها أو أفكار بعينها تحت الضوء وأكتب عنها بصفتها على مسافة منّي، سأكتب عما أشاء هنا وكأنني أسايره، أمشي معه وأوازيه، وأن أرى الأفكار تخرج كفروع بعضها من بعض دون مبالاة بتصنيف أو ترتيب للأفكار.. سأدع ما عندي يخرج إلى الورق وأنا أسير إلى جوار الفكرة وكأننا صديقين.

(1) أعاصير وأوبئة… أو: ثمن “السلعة” الخفي

في أسبوع واحد، في أول شهر مارس 2020، أتعرّض الناس في مصر لأزمتين كبار: ما يُطلق عليه “إعصار بحر متوسط” أو Medicane (وهو ظروف جوية عجيبة شبيهة بالأعاصير اللي بتحصل في نظم بحرية كبيرة زي المحيط الهادي)، وبداية انتشار فيروس كوفيد-19 (كورونا). أنا شايف إن الظاهرتين، أو المصيبتين، بينهم ارتباط كبير، وإن مهم نشوف الارتباط اللي بينهم، أو الصورة الكبيرة، اللي بترجع لظاهرة أشمل هي الإنتاج الرأسمالي لشيء اسمه “السلعة”، عشان ميقفش فهمنا للمصايب اللي من النوع ده عند مستوى إنها أشياء تتبع عالم الطبيعة وحاجة خارج دايرتنا كبشر، إلخ، وده مش صحيح.

التغير المناخي مُسبب مادي رئيسي ومُحرك أول، من تحت راسه حصل منخفض “التنين” اللي غرّق مناطق في بعض محافظات مصر واتسبب في سيول وأمطار بكثافة مشفنهاش قبل كده. الصلات السببية بين التغير المناخي والإعصار كتيرة ومتشعبة، لكن يبدو من أوضحها إن ارتفاع درجة حرارة الكوكب صاحبه ارتفاع في متوسط درجة حرارة المياه في البحر المتوسط، وده خلّى حوادث مثل الأعاصير الشبيهة بأعاصير المناطق الاستوائية اللي بتتكون فوق مساحات مائية شاسعة في المحيطات الكبرى، أكتر حدوثاً في شرق البحر المتوسط، رغم إنها ظاهرة مناخية يُقال عنها إنها عموما “نادرة كل الندرة”. والظاهر إن من هنا ورايح هتحصل الأعاصير المتوسطية دي أكتر وأكتر مع استمرار ارتفاع درجة حرارة مياه المتوسط وتهيؤ ظروف مناسبة لتكون نظم الأعاصير من نوع “التنين”.

على الجانب الآخر، بالنسبة للكورونا، بحسب تقديرات علمية بدأت تظهر، من أهمها تصوّر عالم البيولوجيا روب والاس،[1] فيروس كورونا ظهر ثم انتشرت عدواه في العالم بسبب تحويل غابات هي مواطن طبيعية لنظم بيئية كاملة، إلى أراضي زراعية ومزارع لتربية الحيوانات والدواجن. الفكرة، في تقديره، إن تربية الحيوانات لإنتاج اللحوم على نطاق صناعي واسع، خلّى الحيوانات دي اللي خصائصها البيولوجية متشابهة جداً تحل محل “سدود مناعية” كانت متوفرة في أجسام حيوانات برية عايشة في النظم البيئية المعقدة السابقة على مزارع إنتاج اللحوم، كانت قادرة تفرمل انتقال العدوى للبشر. زحام حيوانات اللي بتتربى لإنتاج اللحوم أضعف المقاومة المناعية اللي في النظم البيئية اللي حلت محل القديمة.

وفي تقديرات تانية أكثر انتشاراً، يُقال إن الفيروس خرج من حتة في سوق “ووهان” في الصين بتتباع فيه حيوانات برية، مع ترجيح إنه يكون اتنقل من حيوان برّي كان بيتباع في السوق (مكنش يصح يتواجد وسط البني آدمين أصلا) إلى البشر، وهنا برضه بنتكلم عن سلعة، الحيوان كسلعة.

الصلة بين الظاهرتين، الإعصار والفيروس، هي السلعة اللي بتُنتج لتحقيق الربح في سوق رأسمالية.

سبب التغير المناخي، اللي أدى لإعصار التنين إياه، هو حرق الوقود على مدار آخر متين سنة أو أكتر، من ساعة ظهور الثورة الصناعية في إنجلترا أواخر القرن التمنتاشر. والثورة الصناعية وما تلاها من تجارة عالمية بأحجام هائلة وغير مسبوقة كانت بتخدم شيء واحد على اختلاف أشكاله، هو السلعة. السلعة تُنتج وتُباع وتتجاب فلوسها تحقق ربح، يتم ضخه لإنتاج سلع تانية تتباع وتجيب ربح، وهلم جرا، في دورة مفرغة عدمية لا يمكن تُقف وإلا رأس المال يخسر. الثورة الصناعية ودخان مصانعها في تجسدها المادي المباشر طلعت للغلاف الجوي المحيط بالأرض واتسببت في الاحتباس الحراري، لدرجة إن فيه تصوّر مجازي (قايم على الحقيقة المادية دي) قدّمه أستاذ الأدب “روب نيكسون” اسمه “العنف البطيء”:[2] عُنف اتسببت فيه الثورة الصناعية، اللي انطلقت في القرن التسعتاشر، بيحصل دلوقتي في الحاضر، بمعنى إن دخان المصانع اللي كانت بتنتج سلعة القماش والملابس بنمط الإنتاج الرأسمالي، من متين سنة، هو السبب المباشر في التغير المناخي اللي سبب إعصار التنين الأسبوع اللي فات.

سبب ظهور وانتشار فيروس كورونا هو برضه إنتاج السلع من خلال أنشطة “الأجري-بيزنس”. مش مهم إيه السلعة، ولا إيه اللي بيتباع، المهم يُنتج ويتباع ويجيب ربح، ومش مهم خالص أي آثار كارثية بتتحقق نتايجها خارج دورة رأس المال.

اللي حاصل دلوقتي إننا مش بصدد الكارثتين دول فقط، فيه غيرهم كتير اتحقق ولسه هيحصل، من تدهور جودة التربة الزراعية (وهي مصدر غير متجدد، بما إن تكوّن كام مللي من التربة الزراعية مثلا بيحتاج مئات السنين)، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتآكل معايش الحيوانات البرية، وذوبان جليد القطبين الشمالي والجنوبي، إلخ. كل ده بيصنفه بعض الباحثين تحت مسمى “الفجوة الإيكولوجية”[3] أو Ecological Rift: وهو مصطلح مأخوذ من بعض تأملات كارل ماركس عن الطبيعة والأرض، ومعناه إن الأنشطة البشرية اللي بتقع في دايرة ما يُسمى “المجتمع” البشري، تجاوزت وحفّت كتير من دايرة ما يُسمى “الطبيعة”. قبل الثورة الصناعية، وقبل نمط الإنتاج الرأسمالي، كان البشر بياخدوا ويدّوا للطبيعة، اللي هم المفروض جزء منها، في علاقة تبادل: هنزرع على الضيق عشان ناكل ونشرب بس، وفي المقابل هندّي الأرض فضلات الحيوانات اللي بتحرت الأرض وتشتغل في الغيط عشان تسمّدها سماد طبيعي، علاقة متجددة ومستدامة. لكن مع ظهور “السلعة” وضرورة إنتاجها بلا توقف وبلا حدود، بقت علاقة إن “البشر” هياخدوا من “الطبيعة” ومش هيرجعوا لها حاجة. والمتهم هنا مش البشر على الإطلاق، لأن البشر مش كلهم مشغولين بإنتاج السلعة، فيه عدد قليل جداً جداً منهم هو المسؤول عن الموضوع ده.

المحصلة النهائية، إننا وصلنا لمرحلة إن كوكب الأرض، الوجود الكلي للبشر والحياة على إطلاقها، استُهلك لدرجة اختلال نظم كتير بما تسبب وهيتسبب في كوارث كتير، من أعاصير لأوبئة لجراد لجفاف، إلى آخره.

في اللحظة دي، مع دخول الكوارث المذكورة ورا بعضها وبإلحاح متزايد ولسه هيزيد مع استمرار الحال على ما هو عليه، فالتحليل المستوعب والمُراعي لعلاقة “المادي” بالـ “بشري” أو “الطبيعة” بـ “المجتمع” على مستوى كوكبي، مبقاش رفاهية.

(2) اجتياح الكورونا كسيناريو مُصغر لاجتياح التغير المناخي

تصوّر روب نيكسون عن “العنف البطء” المذكور أعلاه، فكرة إن دخان مصانع إنجلترا في القرن التسعتاشر هو اللي بيسبب مصايب بلا حصر لفقراء العالم في الحاضر، قابل للتطبيق على فيروس كورونا وعلاقته الجدلية بالبهدلة اللي لسه التغير المناخي هيتسبب فيها.

فيه قصة شهيرة معرفش مدى صحتها إيه بتتقال على سبيل التحذير من مصير الكورونا في إيطاليا. على السوشيال ميديا، القصة ماشية كالتالي: في الأسبوع التاني الطليان قالت لهم الحكومة يكنّوا في البيوت، لكنهم كابروا وسخروا من الأوامر ونزلوا يتفسحوا في الشوارع عادي، لحد ما جه الأسبوع التالت وبدأت الوفيات بأعداد مخيفة. بتتقال القصة دي بالارتباط مع مطالبات ناس كتير (عندهم حق طبعا) باقتصار حركة الناس في مصر، وعدم النزول لصلاة الجمعة وصلوات الجماعة، وإنهم باختصار يقعدوا في البيت عشان منحنى انتشار الوباء يبقى أخف.

فيه نقطتين مهمين في القصة دي على صلة بالتغير المناخي. أولاً، التفكير في المستقبل بصفته نتيجة للحاضر، وثانياً، طيف التناحة المرعبة والإنكار المُطلق اللي بتحاول القصّة دي تؤثر فيه وتغيره، قصدي سلوك البشر المصممين على الانتشار في الشوارع مع تجاهل تام للمؤشرات العلمية المنطقية اللي بتقول لهم بوضوح إنهم لازم يقعدوا في البيوت.

نبدأ بأولاً: قصة التحذير من مصير إيطاليا بتبقى مصحوبة دايماً برسم بياني أو بيانات إحصائية بتوضح لقارئ البوست على السوشيال ميديا أعداد القتلى والمصابين في أسبوع انتشار الوباء الثاني في إيطاليا، وكذلك في مصر، ثم الأعداد في إيطاليا في الأسبوع التالت ثم الرابع، مع مطالبة القارئ إنه ببساطة يتدبر إزاي ممكن نوصل لنفس النتايج الكارثية نظراً للدلالة الدامغة للأرقام.

القصد: انتشار الكوفيد-19 زي ما بيحصل في المكان (جغرافياً) فهو بيحصل في الزمن، واستقر الرأي على تقسيم مراحل الانتشار على أسابيع (مش أيام ولا شهور). في التغير المناخي بنتكلم دايماً عن السيناريوهات المتوقعة لو ارتفعت درجة حرارة الأرض بواقع درجتين مئويتين، أو تلاتة أو أربعة. لو ارتفعت درجتين هتحصل المصايب الفلانية، لو تلاتة أو أربعة أو أكتر هتحصل المصايب العلانية، إلخ. اللي حاصل حالياً مع كورونا، إننا بنشوف نموذج حي لـ إزاي التطور الزمني للكارثة بتاعت الكورونا (اللي وراها نفس المحرّك الأول للتغير المناخي، الإنتاج السلعي للمكسب) بيتحقق في المستقبل، لكن المستقبل هنا قريب، مسافة أسابيع، مش سنين زي ما بيترسم في سيناريوهات “ايه هيحصل لما ترتفع درجة حرارة الكوكب كذا أو كذا درجة مئوية”.

ثانياً، إنكار وجود فيروس كورونا (رغم كل الشواهد المادية والإحصائية الغامرة) وإنكار وجود التغير المناخي أو العلم بوجوده وبالكوارث اللي هيجيبها ثم تجاهل وإنكار الموضوع بالكامل، وباتكلم هنا عن تجاهل الأفراد.

باحثة علم اجتماع البيئة الأمريكية النرويجية كاري ماري نورجارد هي تقريباً أهم باحثة اشتغلت على سؤال “ليه الناس بتنكر وجود التغير المناخي؟ وليه اللي مش بينكروه بيتجاهلوا وجوده تماماً؟” وده بيفكرني بمسألة الأب أو الجد اللي بيتقال له إن فيه فيروس بيموت الناس يا حاج، خف رجلك عن الجامع (أو الكنيسة) وبلاش صلاة (قداس) الجمعة دي عشان أصلاً الدين بيبدي حماية النفس على إقامة الشعائر، يقول لك “خليها على الله”.

كاري ماري نورجارد في كتابها الأهم “العيش في إنكار: التغير المناخي والمشاعر والحياة اليومية”،[4] قالت إن ضروري عشان نفهم ليه الناس بتنكر التغير المناخي وناس كتيرة مش بتنكر وجوده لكن بتتجاهله، لازم نحاول ندور على عوامل متعددة متجاورة (وهي هنا ماشية على تقاليد علم الاجتماع، وفكرة “الخيال السوسيولوجي[5] اللي بتشجع الكاتب على تشغيل مخه والتفكير في أسباب الظواهر في المساحات الكبيرة الواقعة ما بين المؤسسات والأفراد). قالت نورجارد إن من أسباب سلوك الأفراد ومشاعرهم العجيبة ناحية التغير المناخي، إن المشكلة أكبر بكتير من إن يكون لهم كأفراد تأثير على مسارها، يعني بما إنهم مش متخيلين إنهم يقدروا يغيروا مجرى الأحداث المرعبة اللي هيسببها التغير المناخي، فهم بيتجاهلوا الموضوع ويكبتوه ويعتبروه مش بيحصل. المشكلة أكبر من إني كفرد أقف وأبصّ لها في عينها. هي هنا بتتكلم على أفراد متعلمين كويس، عايشين في قرية في النرويج عايشة على السياحة، لأن كتابها قايم على بحث ميداني مطول هناك. نفس الشيء حاصل مع فيروس كورونا، متبقاش عارف الشخص اللي بيقاوح ده مصدق إن الفيروس مصيبة كبيرة ولا مش مصدق، ولو هو مصدق، فهو غالبا حاسس إنها أكبر من قدرته على إنه يعمل معاها أي حاجة ف بيستسلم ويقول لك “سيبها على الله”. اللامبالاة الوجودية دي تجاه التغير المناخي، والجائحة، وتجاه الثورات العربية من فئات كتير في مجتمعاتنا قبل ييجي تمن تسع سنين، يمكن أفكار نورجارد بتقدم تفسير جزئي لها.

لكن للأسف اللي حصل من إنكار ولامبالاة وجودية بالتغير المناخي ومسبباته (بالأساس نمط الإنتاج الرأسمالي) مخلاش المصيبة تختفي. المصيبة بتكبر ولسه هتكبر على مدار السنين الجاية. لا إنكار وجود الكورونا هيخليه يختفي، ولا إنكار وجود التغير المناخي أو تجاهله أو إننا نقول إننا دولة نامية ملهاش في كلام الناس الفاضية بتوع العالم الأول عن التغير المناخي، هيخلي المصيبة دي تختفي. بالعكس، إحنا كدول عالم تالت أكتر ناس بتتضرر من التغير المناخي، زي ما هيبين لنا في الغالب المستقبل إننا أكتر ناس هتتضرر من الكورونا (وأرجو يخيب ظني).

(3) تخيُل نهاية العالم أسهل من تخيُل نهاية نمط الإنتاج الرأسمالي؟

انتشرت في السنوات الأخيرة مقولة في أوساط الكُتاب والباحثين المعنيين بالتغير المناخي، بتقول إنه يبدو إن الناس أسهل عندها تتخيل نهاية العالم ولا إنها تتخيل نهاية نمط الإنتاج الرأسمالي، وإن النمط المذكور معندوش مشكلة خالص مع نهاية العالم، بالعكس، هيتكيف مع الظروف الكارثية دي وهيعرف يطلّع منها مكسب، فيما يُسمى أحياناً بمصطلح “رأسمالية الكوارث”.[6]

لكن يبدو إن اجتياح فيروس كورونا بيقدّم صورة مختلفة بشكل جذري عن الصورة دي. الاقتباس التالي من كتاب “حالة العاصفة: الطبيعة والمجتمع في عالم التغير المناخي” للكاتب أندرياس مالم مهم ودال على اللي أقصده:

إنها الطبيعة التي عادت تزأر وسط المجتمع محمولة على جناح التغير المناخي، والزمن هو جناحاها الخفاقان […] وكأنها شبح، جاء من ماضي البشر. ليس انتقام الطبيعة هو، بقدر ما هو انتقام التاريخ في رداء الطبيعة. كلما كثرت انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، تصبح العاصفة أعتى؛ كلما تجرأ المجتمع على الطبيعة ويتجرأ، زاد عنف وكثر عدد جيش الطبيعة “العفاريتي” الزاحف على المجتمع، وها نحن بدأنا نشعر باجتياحاته الأولى على صورة الكوارث المناخية المتعاقبة.[7]

مالم في كتابه كان بيحاول يقدم نظرية لفهم الفلسفة البيئية بناء على تصور مادي جدلي. مش مقصود في الاقتباس أعلاه إنه بيعتبر الطبيعة كيان عاقل بيحارب، قد ما يقصد إن التناقضات اللي بيسببها نمط الإنتاج الرأسمالي هي اللي بتضرب في وشّه بالشكل ده. مؤخراً، يبدو إن فيروس كورونا اتسبب في حالة حصار غير مسبوقة لنمط الإنتاج الرأسمالي للسلعة. السلعة بتُنتج وتتباع ما زالت، لكن الاقتصاد العالمي في حالة سقوط حر، ومعرفش هيستمر على الوضع ده قد إيه ولا هيتعافى منه إمتى. لكن الأهم في تقديري: إن اللي بيحصل للاقتصاد بسبب الجائحة أسقط فكرة إن انهيار نمط الإنتاج الرأسمالي لا يمكن يحصل. الخيال العلمي الطاغي اللي إحنا عايشين فيه اليومين دول مش ديستوبي قد ما هو أبوكاليبتيك، ينتمي لأدبيات وخيالات ومجازات نهاية العالم. سعر البترول نزل لمستويات محصلتش من سبعتاشر سنة، وخطط تنمية الدول كلها بقت في خبر كان، وبرامج التوسع والتقدم والابتكار راحت في الوباء. مطالبات نشطاء “توقف النمو” أو degrowth بتحصل لكن غصباً وبخساير بشرية رهيبة ومؤلمة. عُنصر واحد، سببه سلسلة من التغيرات المادية المعقدة، دخلتنا في احتمالات جادة تماماً وممكنة لتغير الطبيعة النظام الاقتصادي العالمي القائم بشكل جذري، ولو حتى في قطاعات بعينها.

أتمنى إن مشاهد التكالب على بكر مناديل الحمام والمُطهرات تكون في المستقبل دالة على نهاية مرحلة وبداية مرحلة أكثر رحمة بالبشر والكوكب، يتقال تحت الصور دي مثلاً تعليقات من نوع “مشاهد من السعار الاستهلاكي في لحظة سقوط النمط الفلاني وقبل ظهور النمط العلاني”. أكيد مش هيحصل تحوّل لحظي، مش هنصحى الصبح نلاقي النمط الرأسمالي راح في الوبا وجه بداله فجأة نمط جديد. الموضوع هياخد سنوات طويلة جداً، وهيتحقق بأيادي ناس كتير من الجيل ده والأجيال الجاية، ويبدو إنه هيحصل على مستوى العالم: الوباء صحّى البشر جميعاً (أو هيصحيهم) وأرجو إنهم تشغلهم قضايا واحدة من هنا ورايح.

* طالب دكتوراه في قسم الإيكولوجيا البشرية (جغرافيا بشرية) في جامعة لوند.

[1] https://mronline.org/2020/03/12/capitalism-is-a-disease-hotspot

[2] Nixon, Rob. Slow Violence and the Environmentalism of the Poor. Cambridge, Massachusetts; London, England: Harvard University Press, 2011

[3] Foster, John Bellamy, Brett Clark, and Richard York. The Ecological Rift: Capitalisms War on the Earth. NYU Press, 2010.

[4] Norgaard, Kari Marie. Living in Denial: Climate Change, Emotions, and Everyday Life. Cambridge, Massachusetts; London, England: MIT Press, 2011.

[5]  تشارلز رايت ميلز، “الخيال السوسيولوجي”، 8 أبريل 2019، قراءات: https://qira2at.com/2019/04/08/sociological-imagination/

[6]  ناعومي كلاين، “عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث”، https://www.goodreads.com/ro/book/show/7188263

[7] Malm, Andreas. The progress of this storm: nature and society in a warming world”. Verso: London, England. 2018.

3 أفكار على ”ثلاث محاولات لفهم جائحة الكورونا

  1. برضو ظن بقدرة البشر علي تغير النظام!
    أساسا لو إستمرت الازمة سنتين أو أكثر فلن ينهار الإقتصاد العالمي، كل ما سيحدث هو تقلص الإقتصاد. و حتي لو تقلص ل10 أمثاله فسيبقي كما هو.
    لو كانت فعلا في إمكانية لإزالة نمط الإنتاج السائد بالثورات لكان نجح الامر في الصين.
    في الصين سحق ماو البرجوازية الصغيرة في وقته و معها طبقة الإقطاع الضخمة كاملة و حتي الثقافة الكونفوشية قضي عليها. و مع ذلك لم تتحول الصين لمجتمع المساواة المنشود. بل ان ما خلفه من قاعدة صناعية ضخمة و إصلاح زراعي ساهما في تحول الصين لدولة راسمالية، فكانت هذة الشروط سبب في إنتاج برجوازية من العدم.
    السبب في هذا هو إن البشر لا يمكنهم تقرير التاريخ، مهما كانت قدراتهم العسكرية و المالية، فما يقرر التاريخ هي الشروط المادية المحضة.
    ما سيحدث في اسوء الظروف (يعني لو حدثت ثورات طاحنة)، هو تحسين الوضع الحالي و ليس القضاء عليه، تماما كما فعلت ثورات القرن ال20. و السبب هو إن نمط الإنتاج الراسمالي لم يستنزف شروط إستمراريته حتي الان، لازال هناك إمكانيات للربح و الإستغلال، و طالما بقيت نسبة الربح فوق ال0% سيبقي نمط الإنتاج الراسمالي قائماً.
    المفروض كتابات اليسار تركز علي الاسباب المادية مش الهراء الإنساني.

    إعجاب

  2. التعدي على نمط كائانات حية اخرى يؤثر على حياتنا
    في مايخص البيئة كيف نستطيع بتخفيض درجة حرارته

    إعجاب

.