جورجيو أغامبين، عن الخوف والكورونا

ملاحظة: ھذا رد جورجیو أغامبین ( 17 آذار/مارس 2020 ) على اللغط الذي أحاط مقالته بعنوان “اختراع وباء” ( 26 شباط/فبرایر 2020 ) حول فایروس كورونا في إیطالیا (والمنشورة ھنا بالأصل الإیطاليّ، و ھنا بالترجمة الإنجلیزیّة).

الترجمة عن الإنجلیزیّة بموافقة المؤلّف: كارول خوري

[…] الخوف مرشد سيّء، لكنّه یجعلنا نرى العدید من الأمور التي تظاھرنا بعدم رؤیتھا. الأمر الأوّل الذي تظھره بجلاء موجة الھلع التي شلّت البلد ھو أنّ مجتمعنا لم یعد یؤمن بشيء سوى الحیاة العاریة. بات واضحًا أنّ الإیطالیّین على استعداد للتضحیة عمل 􀌒 یا بكلّ شيء –الظروف الطبیعیّة للحیاة، والعلاقات الاجتماعیّة، والعمل، وحتىّ الصداقات، والمعتقدات الدینیّة والسیاسیّة– لتجنّب خطر الإصابة بالمرض. الحیاة العاریة، وخطر خسارتھا، لیست أمرًا یوّحد الناس، وإنّما تعمیھم وتفرّقھم.

كما في الطاعون الذي وصفه مانزوني، لا یُنظر إلى الآخرین إلّا كملوثین محتملین یجب تحاشیھم بأيّ ثمن، أو على الأقلّ الحفاظ على مسافة منھم أقلھّا متر. الموتى –موتانا– لیس لھم حقّ الجنازة ومن غیر الواضح ما الذي سیحدث لجثامین أحبائنا. لقد تمّ محو إخواننا البشر، ومن الغریب بقاء الكنائس صامتة حول ھذه النقطة. ماذا سیكون واقع العلاقات البشریّة في بلد یتمّ تعویده، لأمد لا یعرفه أحد، على العیش على ھذه الشاكلة؟ وأيّ مجتمع ذاك الذي لا قیمة لدیه سوى البقاء؟

الأمر الآخر الذي تسبّب الوباء في إظھاره بوضوح، وھو لیس أقلّ إزعاجًا من الأوّل، ھو حقیقة تحوّل حالة الاستثناء، وھي حالة بدأت الحكومات بتعویدنا علیھا منذ سنین، إلى حالة طبیعیّة بالفعل. لقد سبق وكان ھناك أوبئة أكثر خطورة، ولكن لم یفكّر أحد قطّ بإعلان حالة الطوارئ مثل الحاصلة الآن، حالة تمنعنا حتىّ من الحركة. لقد أصبح الناس على درجة عالیة من التعوّد على العیش في ظروف أزمات وطوارئ دائمة بحیث لا یبدو أنّھم یلاحظون أنّ حیاتھم قد تمّ تقلیصھا إلى حالة بیولوجیّة محضة، حیاة لم تفقد كلّ بعد اجتماعيّ وسیاسيّ فحسب، بل وحتىّ البعد التعاطفيّ والعاطفيّ . إنّ مجتمعاً یعیش في حالة طوارئ مستمرّة لا یمكنه أن یكون مجتمعًا حرّّا. فعلياً، نحن نعیش في مجتمع قد ضحّى بالحرّیّة لصالح ما یُسمّى “الدواعي الأمنیّة”، وبالنتیجة حكم على نفسه بالعیش في حالة دائمة من الخوف وعدم الأمان.

لیس مفاجئاً الحدیث عن الوباء بلغة الحرب. إنّ التدابیر الطارئة تُلزِمنا، في حقیقة الأمر، أن نعیش ظروف منع التجوّل. ولكنّ الحرب ضد عدوّ غیر مرئيّ قادر على الاستكانة في أيّ إنسان آخر إنّما ھي الحرب الأكثر عبثیّة من بین الحروب. إنّھا، للصدق، حرب أھلیّة. العدوّ لیس في مكان ما في الخارج، إنّه داخلنا.

لیس الحاضر ھو ما یثیر القلق كثیرًا أو على الأقلّ لیس لوحده، وإنّما تداعیاته وما سیعقبه. وكما شملت ترِ كة الحروب لزمن السلم طیفًا كاملًا من التقنیّة المشؤومة، من الأسلاك الشائكة وصولًا إلى المفاعلات النوویّة، كذلك من الوارد تمامًا أن یكون ھناك، حتىّ بعد انتھاء الطارئ الصحّيّ، محاولات للاستمرار بالعدید من التجارب التي لم تتمكّن الحكومات من تنفیذھا: إمكانیّة بقاء الجامعات والمدارس مغلقة، بحیث تكون الحصص والمحاضرات عبر الإنترنت؛ إمكانیّة وضع نھایة، مرّة واحدة وإلى الأبد، للاجتماعات والتجمّعات التي تناقش المسائل السیاسیةّ والثقافیّة؛ إمكانیّة أن یكون التواصل فقط عبر الرسائل الرقمیّة؛ وكلمّا أمكن، إمكانیّة الاستعاضة بالماكینات عن أيّ تواصل –عدوى– بین البشر.

فكرة واحدة على ”جورجيو أغامبين، عن الخوف والكورونا

.