بسكال غزالة: حركة العمران في القاهرة بين زمان والوقت الحالي

تغطية – عمرو خيري

هذه تغطية جزئية لمحاضرة المؤرخة بسكال غزالة، التي قُدمت في إطار مشروع “سكة معارف” بالتعاون مع جمعية النهضة – جيزويت في القاهرة هذا الأسبوع. النص لا يعكس بالضرورة المحاضرة بدقة، ولم يرصد جميع المناقشات التي دارت حولها.

أتكلمنا في سكة معارف قبل كده عن المدينة والمكان والعنف، والجلسة دي والجلسة الجاية عن “زمان ودلوقتي”. نقطة البداية هي النوستالجيا للقرن التسعتاشر والملكية وأيام الملك، والتراث وفكرة التراث ده بتاع مين في الآخر. هل هو تراث “أوراسكوم” لما ييجوا يهدوا مثلث ماسبيرو ويبنوا بداله مشاريع جديدة؟ ولا التراث ده بتاع سكان المنطقة ولا المصريين ولا العالم كله؟

حاولت أشوف في القرن التسعتاشر كانوا بيردوا على أسئلة زي دي إزاي. وفي فكرة كمان شايفاها مستفزة شوية، وجود خطاب أخلاقي على علاقة بالماضي، إن البني آدم مينفعش يبقى مستحق للماضي إلا لو كان من فئة أو طبقة معينة، زي إنه يبقى فرانكفوني أو بنت وبتلبس ميني جيب، عشان يبقى مستحق لوسط البلد بتاعت زمان. استحقاق الماضي.

السؤال التاني هو مين بيملك الماضي، المباني اللي قايم عليها النوستالجيا بتاعت الماضي. الملكية. لما بحثت شوية في الحاجات دي اشتغلت على المحاكم الشرعية للدولة العثمانية، ولقيت في شغلي حجج ملكية، الناس كانت بتحصل على حق الملكية بطرق مختلفة، مثلا زي الورث أو الشراء، أو من خلال وضع اليد، طالما الناس شايفاه ساهم في العمارة دي أو دي لمدة 15 سنة تبقى خلاص بتاعته. بمعنى إن فيه تصرفات معينة بتدي حقوق ملكية.

تالت حاجة – ودي نهاية المقدمة – لما نبص على المدينة وإزاي اتطورت في القرن التسعتاشر هنشوف إن فيه طبقة حاكمة جديدة بتوصل للسلطة في مصر – بشكل متكرر على مر التاريخ – ولما بتوصل بتعمل تصرفات مختلفة، بتستثمر مثلا في الأماكن الفاضية، وتستخدم أنقاض الحاجات اللي اتدمرت، وممكن تبني برّه العاصمة القديمة. في نص القرن التسعتاشر مثلا الناس بدأت تبني ناحية الجزيرة (الزمالك دلوقتي). العمليات دي ممكن تتيح مقارنات بين تطورات القاهرة حالياً والتطورات اللي حصلت زمان.

نبدأ بمحمد علي، بما إن التاريخ الحديث في مصر بيبدأ به. عمل حاجات كتير، بس معملش كتير في مجال العمران. قليل اللي نقدر نقول إنه من آثار محمد علي العمرانية، غير مثلا جامع محمد علي في القلعة. مش بييجي في بالنا العمران لما نفكر في محمد علي، لكنه إنه مثلا أسس الفابريقات، أو عمل نظام للأراضي، أو فرض نظام المحاصيل النقدية. كل ده أثر على شكل المدن في مصر، وبالأخص الإسكندرية. في القرن التسعتاشر الإسكندرية اتغيرت جدا عمرانيا، مع تغير التجارة من البحر الأحمر والهند، لناحية أوروبا. فيه حاجات اتخططت واتبنت عشان مصالح القناصل والتجار المشاركين في العمليات المالية والتجارية الجديدة دي. محمد علي معملش كتير في القاهرة، عمرانياً. حتى شارع محمد علي في القاهرة، اتعمل بعد ما هو مات بكتير. هو كان مهتم أكتر بالنسبة للقاهرة، كان مهتم بالإنتاج، والحاجات العملية، أكتر من اهتمامه بما هو ضخم وجميل واللي بيأثر على اللي بيتفرج على المدينة من برّه. كان من طريقة تفكيره إنه المبنى اللي يلاقيه هينفع يُستعمل مصنع أو لجهاز حكومي، كان بيستخدمه، مش لازم يعيد بنائه بشكل جميل. وده على عكس الطبقة الحاكمة اللي جت معاه، كان فيه منهم اللي مهتم بالتمثيل العمراني لفكرة “السيطرة” على الدولة.

في القرن التمنتاشر القاهرة كانت معظمها “وقف”، “أوقاف” مختلفة. الوقف زي أرض زراعية مثلا أو مبنى بيتأجر، والعوائد بتاعته بتدخل في صيانة أو ترميم جامع أو سبيل، أو أي حاجة موقوفة للأمة، أو للمصلحة العامة. في أوائل العصر العثماني، على مستوى الأرض، سلاطين المماليك كانوا أسسوا أوقاف فخلاص كانت معظم أرض العاصمة مينفعش تتوقف. العلماء قرروا إن المبنى ممكن يبقى وقف مستقل عن الأرض. يعني اللي ييجي يبني على الأرض يأسس مبنى ويبقى في حد ذاته وقف، وبيدفع فلوس لوقف الأرض. حصل تشبع مع الوقت. وزاد بسبب ده شريحة جديدة من الوقف، وقف في الحقوق على الأرض والمبنى، بتتذكر في الوصايا: المنفعة والانتفاع، السكن، ومثلا إن شخص يبني دور إضافي، حق بناء الدور ده ممكن يبقى وقف بدوره، وهلم جرا. بقى فيه 3 طبقات من الحقوق مستقلة عن بعض: التصرف في الأرض أو المبنى أو حقوق استخدام أو تملك المبنى.

2014-635336261419697027-969

منطقة بركة الفيل قديماً

لو الواحد عايز يشتري حاجة، يعمل ايه؟ في حالة التشبع، وتراكم الحقوق دي فوق بعضها، ومع الوقت بقى فيه ورثة كتير. الواحد يعمل إيه؟ يا إما يطلع بره ويشتري بره الدايرة دي، خارج وسط المدينة، يا إما يبقى عنده شبكة اجتماعية قديمة جدا وثرية جدا يعرف منها إن فلان هيبيع حتة أرض هنا وعلان هيبيع حقوق انتفاع كان اشتراها هناك، إلخ.

في نهاية القرن التسعتاشر، الحكام بدأوا يبصوا للمدينة كوحدة اقتصادية متكاملة. ومن هنا بدأ الكلام من نوع “المنطقة دي في المدينة العقار فيها بيتباع بكذا”. اللي اقصده: اللي حصل في فترة القرن التمنتاشر وحكاية الأوقاف والتبادل والملكية فيها، أدت لتصور الحكام في نهاية القرن التسعتاشر عن المدينة كوحدة اقتصادية كاملة.

إيه اللي خلى الناس في القرن التسعتاشر يحبوا يبنوا جوه القاهرة؟ كان فيه عدم استقرار في السياسات النقدية وسعر العملة. زي دلوقتي كده، الناس كانت شايفة إن اللي يبني عمارة ويبقى صاحب ملكية عقارية جوه المدينة، ممكن يحميه من مخاطر قد تلحق بالفلوس أو التجارة. يعني ميبقاش خاضع لاضطرابات السوق. واحد زي حسين بشر، بنى قصرين، وكالتين، وكان عنده سوق جمال في الحسينية. وسليمان آغا السلحدار، كان عنده بيت كبير و3 وكالات وجامع وسبيل.

سبب آخر للتوسع حوالين القاهرة كان غياب الشبكات الاجتماعية عن بناة المناطق الجديدة اللي بتمكّنهم من شراء حاجات في قلب القاهرة الفاطمية اللي كانت مبنية ومتوزعة حقوقها بالفعل.

فيه مناطق زي بركة الفيل، اتهدت في القرن التمنتاشر. بعد مجزرة المماليك محمد علي صادر القصور الخاصة بالمماليك ووزعها على المجموعة المحيطة به. بنشوف هنا إزاي مجموعة حاكمة حلت محل مجموعة تانية. بيت شاهين بك اللي متدمرش في الحروب السابقة راح لأحد أقارب محمد علي. أخد محمد علي أنقاض من قصر في بولاق لبناء قصور لخاصّته في الجيزة. القصد، إن فيه حركة بتحصل، وعلى أطراف المدينة. الدمار بيفتح مجال للتجديد، في الطبقة الحاكمة، وفي العمران، وبيفتح مجال لسيطرة من نوع مختلف. كمان في الهوامش الأراضي واسعة ومش متحدد بمباني محيطة، تقدر تخطط وتبني براحتك.

آخر حاجة هاتكلم عنها: المواد الخاصة بالمباني، زي الرخام والطوب. محمد علي عمل احتكار على المواد، وأدى احتكار القيشاني لابنه إبراهيم باشا. والمحاجر في دير التين وطره والجيوشي دخلت تحت سيطرة ابنه إبراهيم باشا.

اللي بيحصل دلوقتي، أكثف وأعنف، عمليات الإحلال العمراني في القرن التسعتاشر كان ممكن تاخد عشرين سنة. فيه كذا حاجة حاليا مختلفة عن زمان فيما يتعلق بالمدينة وتطورها: وجود تكنولوجيا أو تقنيات تدمير أقوى بكتير. دولة ماسكة نفسها وعندها وسائل تكنولوجية للعنف العمراني وعقلية بتدير بشكل مركزي، شامل، شايفة المدينة وشايفة الخريطة وأيه المناطق فيها اللي لها قيمة، إلخ. التصرف العمراني بقى من منظور مركزي مع معرفة شاملة. نقدر نقارن بين الوسائل والنطاق بين زمان ودلوقتي. اختلف كتير مع الوقت وزاد، وكثافة التصرفات وشدة التنفيذ زادت. لكن الثابت إن المدينة طول الوقت بتتغير. القاهرة من أول ما تأسست: الفسطاط، القطائع، ثم القاهرة، طول الوقت المركز الإداري بيتحرك. ما زلنا بنعمل نفس الحاجة. في إطار اقتصاد رأسمالي مثلا أو رأسمالية دولة، هل العملية لها نفس الأبعاد والنتائج؟ لأ، فيه اختلافات كتير. مينفعش نمسك حاجة واحدة ونقول مفيش حاجة بتتغير أو إن التاريخ بيعيد نفسه، التاريخ مش ممكن يعيد نفسه.

.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s