ما هو البناء الاجتماعي؟

بقلم – دانيال ليتل على مدونة “فهم المجتمع
ترجمه بتصرف: عمرو خيري

مم يتكون “البناء الاجتماعي Social Strcuture” وما أنواع القوى الاجتماعية التي يمارسها ذلك البناء؟ لننظر إلى بعض الأمثلة المُقترحة: نظام التجارة العالمي، الحكومة الاتحادية، الفلاحون الصينيون في الثلاثينيات، النظام الطبقي الإنجليزي، نظام الزواج الهندي، مسألة العرق في الولايات المتحدة، مدينة شيكاغو. هل تعد هذه أمثلة على “البناء الاجتماعي”؟

ما هي الافتراضات المركزية التي نضعها عند اعتبارنا لشيء ما بناء اجتماعي؟ (لاحظ أن مصطلح “بناء اجتماعي” يمكن أن يُستخدم بمعنيين اثنين على الأقل: أولاً، كتكوين مؤسساتي توجد علاقات بين عناصر تحريكه (الدولة أو السوق كأبنية اجتماعية توجد علاقات بين عناصرها) وثانياً، كوصف لأوجه تنظيم المجتمع (بناء ديموغرافي، بناء مديني/ريفي، بناء عرقي أو إثني، بناء دخل/راتب الأفراد). هنا أركز على المعنى الأول للمصطلح.

هناك عدة أفكار يبدو وكأنها سمات جوهرية لفهمنا العادي لهذا المفهوم. البناء الاجتماعي يتكون من قواعد ومؤسسات وممارسات. البناء الاجتماعي يتجسد مجتمعياً في التصرفات والأفكار والمعتقدات والطبائع الخاصة بالبشر. البناء الاجتماعي فعال في تنظيم سلوك أعداد كبيرة من الفاعلين. البناء الاجتماعي يوزع أدواراً وقوى مختلفة على الفاعلين من الأفراد. البناء الاجتماعي له عادة تبعات “توزيعية” على الأفراد أو الجماعات. البناء الاجتماعي مشتت جغرافياً، ويمكن أن يؤدي إلى نتائج اجتماعية على مسار الاستمرارية وعلى مسار التغيير.

قد نحاول “ضغط” هذه الأفكار في تعريف، هو كالتالي: البناء الاجتماعي هو نظام من القواعد المشتتة جغرافياً والممارسات التي تؤثر على الأفعال والنتائج الخاصة بأعداد كبيرة من الفاعلين الاجتماعيين.

والآن، لنعد إلى سؤالنا الأصلي: هل ثمة وجود لـ “البناء الاجتماعي” أساساً؟ قبل المضي في الإجابة، ثمة بعض النقاط الظاهرة: أي كيان اجتماعي لابد أن تكون له أسساً على المستوى متناهي الصغر microfoundations في الذهنيات والتصرفات البشرية. لا يوجد كيان اجتماعي يفتقر إلى التجسيد الإنساني، مثلما لا توجد أعمال فنية لا تتجسد في وسائط مادية.

تنطبق هذه النقطة أيضاً على أية تصريحات قد ندلي بها حول القوى السببية المفترضة في الكيان الاجتماعي. من ثم فإن المزاعم حول الخصائص السببية للأبنية الاجتماعية لابد أن تكمّلها نظرية تتعلق بالأسس متناهية الصغر لتلك القوى. كيف يؤثر بناء اجتماعي ممتد على تصرفات أفراد بعينهم؟

هناك نقطة أخيرة موازية حول المزاعم بشأن النطاق الجغرافي للكيان الاجتماعي وتماسكه. إذا أردنا إثبات أن كياناً ما يمارس نفوذاً ككيان متماسك، فعلينا أن نتمكن من تحديد الآليات التي يتحقق بواسطتها هذا. كيف تمارس الدولة الاتحادية مثلاً سيطرتها ونفوذها على نطاق “الولايات المتحدة” الشاسعة والرحيبة بسكانها؟

من ثم، فمع هذه الحاجة التي لا غنى عنها لتوفر أسس متناهية الصغر: هل توجد أبنية اجتماعية؟

العديد من الأمثلة المذكورة أعلاه تحقق تعريفنا المشروط. هناك عُقد ضخمة من القواعد والممارسات التي تؤثر على السلوك والنتائج. ومن البسيط البدء في تقديم وصف للأسس متناهية الصغر التي تنهض عليها: المكونات الاجتماعية التي تتجسد فيها هذه الأبنية والتي تمارس من خلالها التأثير/النفوذ على الأفراد والجماعات. الحكومة الاتحادية الأمريكية مثلاً هي نظام من فروع للحكومة، ولكل فرع إداراته المحكومة بقواعد رسمية وغير رسمية. ومدى “امتداد” الدولة لأسفل، إلى المستوى المحلي والفردي، يُقاس بأشكال القوة التي تُنفّذ اجتماعياً، والتي تتمتع بكيانات تعبر عنها محلياً (مفتشو البنوك، هيئات إنفاذ القانون، المحاسبون الضريبيون، إلخ).

هذا مثال على بناء اجتماعي كبير يعمل من خلال درجة عالية من المأسسة الرسمية. لكن بعض الأمثلة المذكورة أعلاه تعتمد بالأساس على الآليات غير الرسمية: حركة معتقدات وسلوكيات سائدة مثلاً، على امتداد درجات متفاوتة من قابلية الأفراد لـ “إنفاذ” متطلبات البناء. الأبنية التي تعتمد أساساً على الآليات غير الرسمية تشمل نظام الزواج الهندي والنظام الطبقي الإنجليزي.

هل “العرق” بناء في المجتمع الأمريكي؟ ؟الواضح أنه يحوز على بعض العناصر الأساسية التي توصلنا إليها أعلاه. حقيقة قضية العرق تؤدي إلى توزيع غير متساوي للفرص والعوائد، بحيث يصبح “العرق” حقيقة اجتماعية لها تبعات توزيعية. فيه عنصر الإكراه والفرض من فوق: التحيز العرقي وأنماط التمييز العرقي تُفرض على الأفراد دون إمكانية “للخروج”. ويمكننا التعرف على العديد من الآليات الاجتماعية لحركة العرق والتمييز العرقي. من ثم فهذه الفئة تحوذ على أسس متناهية الصغر. أصبحت العديد من هذه الآليات حالياً “غير رسمية” بعد أن كانت “رسمية”، لكن بالطبع فإن إضفاء الطابع المؤسسي بموجب القانون على التمييز العرقي حقيقة حديثة في التاريخ الأمريكي. لذا، يصبح “العرق” سمة بنائية في المجتمع الأمريكي.

الكثير من الأمثلة المذكورة أعلاه تبدو وكأنها تقع خارج نطاق فئة البناء الاجتماعي، منها على سبيل مثال “الفلاحين الصينيين”. يبدو كأن هذه الأمثلة عوامل كبيرة تلعب دوراً في أبنية اجتماعية كبيرة، لكنها أقرب لكونها عناصر عنها نُظماً. لذا فإن البناء الذي يُعرف “الفلاحين الصينيين” هو نظام من الممتلكات والزراعة والقرابة يُعرف دور الفلاح وفرصه في المجمع، أما فئة “الفلاح” فهي دالة على عقدة واحدة داخل هذا النظام أو البناء.

ماذا عن مثال “مدينة شيكاغو”؟ هل هذا بناء أم فئة ما أخرى من فئات الكيان الاجتماعي؟ أميل للقول بأن مدينة شيكاغو تعد مثالاً على كيان اجتماعي معقد، وليس بناء. هي تندرج تحت ملة من الأبنية في أمريكا وفي العالم: نظام التجارة العالمي، العملية الانتخابية، سياسة تمويل الحكومة الاتحادية للمدن الكبيرة. كما أنها تجسد داخلها جملة من الأبنية الأصغر: نظام المدارس الحكومية، ممارسات الإقراض، المحسوبية. لكن المدينة في حد ذاتها لا تتصرف كنظام “تنظيمي” ينسق أنشطة أعداد كبيرة من الأفراد. إنما هي كيان اجتماعي معقد مكوّن من جملة من الممارسات والسلوكيات والنظم والعلاقات الاجتماعية.

فكرة واحدة على ”ما هو البناء الاجتماعي؟

.