هوس توابل القرع

كريستال داكوستا – موقع Anthropology in Practice

ترجمة – ضيّ رحمي

برع محل البقالة الذي أرتاده في تنفيذ مخططه؛ وصل إلى الموقع الأفضل لعرض المنتجات الموسمية، بما يحقق أعلى المبيعات. بمجرد أن تدخل إلى المتجر يواجهك حائط للمنتجات المعبأة والمعلبة، ما يوفر عليك الحركة في المكان؛ خذ وادفع، هذه هي الخطة. ما يعني أنك تستطيع حمل ما تريد والتوجه فورًا إلى الدفع. بالتأكيد ليس هذا فقط ما يميز المتجر؛ إنهم بارعون في اختيار ما يُعرض في هذه المنطقة؛ في الشتاء، تستضيف هذه المساحة الكاكاو الساخن والمكونات الضرورية لإعداد الـ “سمورز”[1]. وفي الربيع، تجد مجموعة متنوعة من حلوى الفصح وزينة السلال والزنابق. أما أثناء الصيف، فيصبح هذا الجدار المصدر الشامل لعناصر التسلية في حديقتك الخلفية: كل شيء، من الفحم إلى كرات الثلج إلى ساندويتشات السجق، كلها في متناول اليد. حاليًا والأيام تقصر والخريف يزحف نحونا؛ فهو وقت “توابل القرع”. ودون مبالغة، إنها تطغى على كل شيء: معطرات الجو والفطائر وحبوب الإفطار والمكسرات وحتى صلصة المكرونة، كل شيء بنكهة توابل القرع. لا يحتل القرع مكانة خاصة لدى الأمريكيين إلا في الخريف، فما هو مصدر الهوس بمنكهات القرع إذًا؟

توابل القرع مزيج من القرفة وجوزة الطيب والقرنفل (بعض الأصناف يضاف إليها الزنجبيل؛ عندما تخلق مزيجًا من الصفر فهذا يعتمد بالكامل على ذائقتك وتفضيلك). كان يطلق عليها في الأصل توابل فطيرة القرع، وكما يوحي الاسم، كانت مخصصة لتنكيه فطائر القرع. وعلى عكس الاعتقاد الشعبي السائد، ربما لم تظهر فطيرة القرع لأول مرة في عيد الشكر الأول. صحيح أن المستعمرين الأمريكيين كانوا يأكلون القرع لأنه كان عنصرًا غذائيًا غزير الإنتاج، إلا أنّ أفرانهم لم تكن توفر إمكانات الأفران الحديثة التي نعرفها. الأكثر ترجيحًا أنهم أكلوه على طريقة الهنود الحمر: حضروا منه أنواعًا مختلفة من الحساء والطبخات وحمصوه وأعدوا منه الصلصات اللذيذة والخبز وكعك الفواكه. لذا، فإن مزيج التوابل هذا – كمرافق للقرع – لم يظهر في عيد الشكر الأول أيضًا. في الواقع، لم تجتمع هذه النكهات رسميًا باعتبارها “توابل القرع” حتى وضعها “ماكورميك” معًا على رفوف السوبر ماركت في خمسينيات القرن العشرين تقريبًا

.

مع سهولة توافر هذا المزيج في زجاجة، بدأ الناس في إضافته لأصناف أخرى من الطعام. وجد طريقه أولًا إلى القهوة في التسعينيات، عندما بدأ تجار التجزئة في تجربة القهوة المنكهة. إذا شعرت أنها بدعة مستحدثة، فهذا لأن شيوع استخدام توابل القرع جاء في أعقاب انتشار اللاتيه بتوابل القرع من “ستارباكس” في 2003، أو المعروف اختصارًا بـ “بي إس إل” المشروب الموسمي الأكثر شعبية في السلسلة. إلا أنّ هذه معلومات متاحة بسهولة؛ فدعنا نتجه إلى جوهر الموضوع، الأصل أن واحدًا من أسباب انتشار القهوة بتوابل القرع وغيرها من المنتجات، هو أنّ هذه التركيبة المنكهة المتفردة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بروح الخريف.

في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، يحمل الخريف روح الحصاد؛ إنه الوقت الذي نعود فيه إلى منازلنا، وهو الوقت الذي أقام فيه المستعمرون المتاجر استعدادًا للشتاء. وهذا يعني تحميص التوابل وحفظها، ويعني أيضًا أن بيوتهم طغت عليها رائحتها التي شكلت فيما بعد ما عرفناه بـ “توابل القرع”. القرفة وجوزة الطيب والزنجبيل والقرنفل والفلفل كانت عناصر ضرورية لتنكيه اللحوم والفواكه والخضروات وحفظها، كلها كانت تأتي من جزر الهند الغربية المتاحة للمستعمرين. اليوم، وبطريقتنا الخاصة، نستعد بالمثل لتغير الفصول ولموسم الأعياد. وهذه التوابل، سواء منفردة أو في خليط، تثير الإحساس بالبيت والدفء والراحة. كأمريكيين خلقنا علامة تجارية عاطفية من مفهوم “توابل القرع” المتجذرة بعمق في ارتباطنا الهش بتاريخنا الزراعي كأمة.

من المحتمل أن المستعمرين الأوائل تعرضوا لصدمة حضارية عنيفة عندما هبطوا على أرض الأمريكيتين؛ كان معهم القليل، وكانت اللحوم المدجنة المألوفة والحبوب الأوروبية والخضروات الدرنية (مثل البطاطس) بعيدة المنال. أثناء افتقادهم لتلك العناصر، وبينما يهيؤون الظروف المناسبة لازدهارها، تعرفوا على ثمار القرع بأشكالها المختلفة (الكوسة والبطيخ والشمام)، والبقول والذرة ولحم الغزلان. زودهم بها الهنود المحليون الذين صادقوهم (والذين أنقذوا حياتهم أثناء الشتاء الأول). ولاحظوا أن القرع نما بسهولة في نيو إنجلاند وبإنتاجية وفيرة، ما جعله مرشحًا رئيسيًا للعصائد والطبخات الاستعمارية. ولأنه كان متوفرًا عندما لم يكن لدى الناس تفاحًا للفطائر أو شعيرًا للبيرة أو لحمًا للعشاء، فقد استخدموه.

سيتغير هذا مع توسع المستعمرات؛ خلق تدفق المهاجرين في منتصف القرن السابع عشر سوقًا للتجارة، بدأت المستعمرات في تصدير سلعها. وبينما كان الطلب على التبغ والأخشاب والفراء والشعير مرتفعًا، إلا أنّ تجارة القرع الأمريكي لم تشهد رواجًا قط، أعاقها تاريخه كغذاء ارتبط بالأوقات الصعبة. الآن، لم يعد غذاء ضروريًا للبيوت العامرة. بل الأكثر أنه استخدم مميزًا حضاريًا بين الأمريكيين المستعمرين والأوروبيين؛ وصم البيوريتانيين/المتطهرين بأنهم “رأس القرع” لأنهم هجروا إنجلترا إلى أمريكا المجهولة، واعتبر أكل القرع سلوكًا همجيًا. هذا يتناسب مع المنظور الأوروبي المبكر للمستعمرين – خصوصا البيوريتانيين والكويكرز – بوصفهم غير أكفاء ومنبوذين اجتماعيَا.

لحسن الحظ لم يكن هذا هو شعور الجميع نحو القرع؛ في القرن السابع عشر، حذّر الكاتب “إدوارد جونسون” الناس من الاستخفاف بالفاكهة التي أطعمت الأمة الناشئة. بالنسبة له، يمثل القرع نمط حياة زراعي، ورمزًا لأزمنة أبسط، خصوصًا وأن المدن كانت تتوسع والصناعات تنمو معها. بينما أضفى الشاعر “بنيامين طومسون” الطابع الرومانسي على العلاقة الاستعمارية المبكرة مع الفاكهة، كتب عن الوقت الذي حظي فيه القرع بتقدير عظيم، عندما كان حاضرًا في معظم الوجبات. ترسخ هذا النوع من الحنين إلى الماضي، خصوصًا في المستعمرات الشمالية – حيث كان القرع مقدرًا على نحو خاص – وولد رمزًا للمقاومة والبقاء: احتل القرع مكانته كتميمة للحصاد.

التسويق العاطفي نهج يُركز على المستهلِّك، وتُحركه الحكاية، ويهدف إلى خلق رابط شعوري بين المستهلك والعلامة التجارية. كانتْ توابل القرع مناسبة تمامًا لتكييف الخطة التسويقية تلك مع فكرة الهيمنة الموسمية. إن الإشارة للقرع كعشاء للفقير أبعدت الناس عن استهلاكه اليومي. لكنّ سردية القرع كرمز للمثابرة الأمريكية والنجاح الزراعي يعني أننا لا نريد نسيان الفاكهة. تتيح لنا توابل القرع الحفاظ على هذا الحنين دون الالتزام بالفاكهة؛ لأننا نشارك معناها، الاستهلاك واسع النطاق لتوابل القرع يؤكد من جديد إحساسنا بالمجتمع والتزامنا بالتضامن. على مستوى ما، يعزز هويتنا كأمريكيين.

هذا لا يعني أن التوسع في المنتجات المنكهة بتوابل القرع لا يتعرض للسخرية والاستهجان؛ فبالتأكيد لا نحتاج إلى الشموع لإعادة تأكيد هويتنا كأمريكيين. تعرض مشروب اللاتيه أو “بي إس إل” وأشباهه لانتقادات شديدة، وفي سرديتنا الثقافية الأوسع غالبًا ما يُستهزأ بفكرة أن لاتيه التوابل “أساسي”، ببساطة لأنه تصنيف مرفوض ومثير للسخرية. مع ذلك، ما يزال التوجه الاستهلاكي قويًا؛ لأن أصالة العلامة التجارية العاطفية لتوابل القرع تتأكد مع كل عملية شراء، كما تساعد الشبكات الاجتماعية على إقرار هذا الفعل، وانتقال السلوك وانتشاره من داخل مجموعة إلى خارجها. ويظل القرع كعنصر حصاد رمزًا قويًا، وهذا هو السبب في أنّ جني القرع نشاطًا شائعًا في الخريف. تتيح لنا “توابل القرع” التلاعب بهذا الرمز دون التعاطي مع فوضى القرع الفعلية.

وبالطبع، يساعد على تأكيد هذه الرمزية التوسع في مشاركة الصور الاجتماعية؛ تظهر الصور “توابل القرع” باعتبارها سمةً أساسية لزينة الخريف. ورغم ما حققنا من تقدم، نريد التمسك بتلك الجذور الاستعمارية التي تميزنا. “توابل القرع” لن تختفي طالما لدينا موسم خريفي نحتفل به. لكن، يعتمد نجاح تلك المنتجات على مدى استعداد المستهلك لأن يتم التلاعب بروابطه العاطفية مع الفاكهة. الأصل أننا، وعلى الأرجح، لا نحتاج إلى المكسرات المنكهة بتوابل بالقرع.


[1] سْمُورْزْ: اسم يطلق على حلوى شعبية تقليدية للاجتماعات حول نار المخيم في الولايات المتحدة وكندا، تتكون من المارشملو المشوي فوق النار وطبقة من الشوكولاتة بين قطعتين من بسكويت غراهام.

.