التوقعات والأداء: علاقة توقعات الأفراد المحيطين بالشخص على أدائه

كتب – دانييل ليتل لموقع “فهم المجتمع
ترجمة – عمرو خيري

هناك أدلة متزايدة تدفع باتجاه أن أداء الفرد في جملة عريضة من الأنشطة يتأثر بقوة بالتوقعات التي تنتقل إلى الفرد بشكل غير مباشر ممن حوله. إذا كان الناس حول الطفل أو الشخص البالغ يرون أنه سيواجه صعوبة معينة في مهمة ما هو مُقبل عليها، فسوف ينتقل إليه هذا الشك من خلال دلائل وإشارات يمكنه أن يشعره بها. ثم ومن خلال آليات إدراكية ليست مفهومة بالكامل، فسوف يتأثر أدائه، وسوف تكون النتائج أدنى مما يمكن له تحقيقاً فعلاً.

كان أخصائي علم النفس الاجتماعي كلاود ستيل من أول من درسوا هذه الظاهرة في سياق الفجوة في نتائج اختبار الـ SAT بين الطلاب البيض والسود. قدّم مفهوم “تهديد التنميط” ووثق مظاهره في جملة من السياقات. من العناصر المهمة لبحوثه هذه اكتشاف أن الإشارات السلبية لا يجب بالضرورة أن تكون صريحة أو مباشرة، فعناصر ضئيلة من لغة الجسد، أو طريقة قول الكلام أو تعبيرات الوجه يبدو أنها كافية لتشير إلى توقع أداء متواضع.

للتنميطات السلبية المحيطة بالمرأة وبالأمريكان الأفارقة آثار مهمة على القدرات الأكاديمية. من ثم، فإن أعضاء هاتين المجموعتين المرتبطين بمجالات تنطبق عليها هذه التنميطات، يستشعرون آثارها بقوة وبعد سبل يؤدي هذا إلى إعاقة ما يمكنهم تحقيقه من منجزات.

أولاً، إذا تم استشعار التهديد في سياق أداء جماعي – عرض أمام قاعة درس أو اختبار على سبيل المثال – فإن رد الفعل العاطفي الذي يؤدي إليه التهديد يمكن أن يؤثر بشكل مباشر في الأداء. ثانياً، عندما يصبح التهديد مزمناً في موقف ما، مثل حال سيدة تقضي فترات طويلة وسط بيئة معنية بتدارس الرياضيات، تنافسية، يسيطر عليها الذكور، فمن الممكن أن يدفعها هذا إلى فقدان للإحساس بالهوية، وإعادة تعريفها لذاتها ولقيمها، بما يؤدي لانتزاعها لهذا المجال – مبعث التهديد – كهوية ذاتية؛ كسند لتقييم الذات.

كان من أهم أفكار ستيل الدور الذي يلعبه “تعريف الهوية ذاتياً” في مسألتي التعلم والأداء: كيف يفكر الطفل أو الشخص اليافع في نفسه أو في قدراتها ومواهبها، هو في حد ذاته عنصر أساسي في تحديد مستوى الأداء الذي يمكن أن يحققه أو تحققه.

ولقد أسهمت عالمة النفس الاجتماعي كارول دويك Carol Dweck بالكثير في هذا المجال من خلال بحوثها حول التأثيرات الاجتماعية والعاطفية على النمو الإدراكي. دفعت هي وزميلاتها باتجاه مجال بحثي مهجن جديد، هو “النمو الإدراكي الاجتماعي”. ورقتها البحثية التي أعدتها بالتعاون مع كريستينا أولسن Kristina Olson “وصف النمو الإدراكي الاجتماعي” (2008) تحدد السمات المحورية في هذه المقاربة. ومن المهم للغاية في هذه المقاربة تلك الأهمية التي أولتها الباحثات لدور الأطر الذهنية، التي يتصفح الناس من خلالها العالم ويحلون المشاكل التي تصادفهم. في القلب من النمو الإدراكي الاجتماعي، مجال يُعنى بكيف ترتبط التمثيلات الذهنية والعمليات العقلية بالتغير في النمو الاجتماعي أثناء مراحل النمو. كما تشتمل على دراسة كيف يمكن لهذه التمثيلات والعمليات الذهنية أن تلعب دور الوسيط أو المُدير لآثار تجارب بعينها (مثال: التربية من الأبوين) على النتائج الخاصة بالطفل (مثال: التحقق).

ألقت أولسن ودويك الضوء على أربعة أهداف رئيسية للبحوث في دراسات النمو الإدراكي الاجتماعي:

أولاً: التعرف على وقياس التمثيل الإدراكي الاجتماعي الذهني أو تلك العملية، التي يُعتقد أنها جزء مهم من عملية النمو.
ثانياً: إجراء عمليات اختبار للتمثيل الذهني، ورصد مردوده على ما لمجالات الاهتمام من آثار على النمو.
ثالثاً: البحث في تجارب التمثيل الذهني أو في عملية اختيار مجالات الاهتمام.
رابعاً: المقارنة بين التمثيل الذهني المعملي (تحت الاختبار) وفي العالم الحقيقي.

هذا ابتكار نظري مهم، لأنه يؤكد على ما سبق وصفه بالمقاربة “التي تركز على الفاعل” لدراسة النمو. ما هو الإطار الذهني الذي يتصرف الفرد بناء عليه؟ تسوق أولسن ودويك أمثلة على العدوانية وعلى عملية حشد الدوافع للإنجاز، وتُظهران كيف أن المعتقدات والأطر الذهنية تؤثر على كيف ينزع الطفل للتصرف في ظروف متعددة.

هناك مجموعة بحوث أخرى مهمة في هذا الموضوع، تأتينا من مجال “خيارات العمل والتعليم”. سبق لي في مقال سابق إلقاء الضوء على اختيارات العمل (أو الحياة العملية)، على فكرة أن بعض المهن أو المسارات الوظيفية “مخصصة” لمجموعات جندرية أو عرقية معينة، أو لمجموعات ذات معتقدات سياسية بعينها. هذا التخصيص ينتقل للناس من خلال موتيفات ثقافية عامة، ويدخل إلى رؤوس الصغار على مستوى تحت مستوى الوعي. تهدف بحوث إليزابيث أرمسترونج ولاورا هاملتون إلى فهم كيف ترتبط الاختيارات التعليمية للسيدات من قطاعات اجتماعية-اقتصادية متباينة بظواهر متصلة. تقول أرمسترونج وهاملتون أن السيدات في جامعة MU يتوزعن على مسارات تعليمية ووظيفية مختلفة، بحسب المكانة الاجتماعية-الاقتصادية لعائلاتهن.

وهناك مجال بحثي ثالث حول هذا الموضوع، يأتينا من منطقة مختلفة، وهي دراسة المكونات الاجتماعية للعمى. روبرت سكوت، عالم الاجتماع الذي يبحث في المؤسسات الداعمة لاحتياجات العميان، قال في كتابه “صناعة الرجال العميان” إن جزءاً كبيراً من القيود على الحراك المفروضة على المصابين بإعاقات في الإبصار، مبعثها “سيناريو” الإعاقة الذي يصمم عليه المجتمع المُبصر. هناك دراسة حالة رائعة، لدانييل كيش، وهو درّاج أعمى. نتيجة الدراسة الأساسية هي كالتالي: إذا كان أغلبنا – ومنّا الآباء والمعلمين للأطفال المصابين بإعاقات في الإبصار – يعتقدون أن العمى يعني الاعتماد على الغير واقتصار القدرة على الحركة، فسوف يكون هذا هو واقع حياة الأطفال والبالغين العميان. لكن إذا تحول الافتراض لقدرة المصابين بإعاقة في الإبصار على تطوير سبل بديلة للتعامل مع محيطهم، فسوف تظهر نوعية حياة مختلفة تماماً للمصابين بإعاقات في الإبصار.

في كل من المجالات البحثية المذكورة، من المدهش أن نرى كيف أن القدرات والأداءات حساسة للتوقعات الاجتماعية. التوقعات المتدنية أو السلبية تؤدي إلى أداء متواضع. هذه النتائج توضح مدى حساسية البشر لتوقعات الغير عليهم، فيما يتعلق بالنمو والأداء. ثانياً، فهذه النتائج توفر سنداً لفهم بعض الاختلافات المهمة في الأداء، على امتداد خطوط الجندر والعرق والإثنية. ثم إنها تفرض تحديات قوية تعترض معلمي الأطفال الصغار: كيف يضمن المعلمين للأطفال في سن مبكرة أنهم قادرون على إخفاء رؤاهم المنمطة للأطفال الذين يعلمونهم، بما لا يؤدي إلى عرقلة نمو هؤلاء الأطفال؟ وفي مجتمع مُبتلى بالعنصرية أو التمييز ضد المرأة ومُعبّأ بالتنميط، كيف لنا أن نضمن أن تؤدي بيئات التعلم إلى تحقيق أفضل السيناريوهات الممكنة لكل طفل والكامنة داخله؟

لكن الجامعات بدورها عليها أن تقلق من هذه الظاهرة. هل تنبعث من مُدرسي كليات الهندسة والرياضيات مثلاً إشارات ضمنية بتوقعاتهم بتواضع أداء الطالبات؟ هل البرامج التي تستهدف دعم النجاح الأكاديمي للطلاب المصابين بإعاقات تعليمية – وهي عموماً برامج ثورية – تؤدي إلى نشر الافتراضات في أوساط المعلمين الأكاديميين بأن هؤلاء الطلاب لديهم إمكانات أقل في التفوق؟ هل الطالب ذات الخلفية العمالية يتلقى إشارات ضمنية بأن الدراسات العليا ليست مساراً مفضلاً له؟ ثم ونظراً للبحوث الجديدة التي تُظهر كيف تؤثر التنميطات والتوقعات كثيراً على الأداء والاختيار، فكيف نعمل على استغلال هذه الآليات من أجل توفير مساواة تامة في جودة التعليم والنصح الوظيفي لكافة الطلاب؟

.