بقلم – كارل شارو، من مدونة كارل ريماركس ترجمة – عمرو خيري
تضيء الحجرة أنوارها ما إن يدخلها. يرتدي بنطلوناً كاكي اللون فيه جيوب كثيرة. تمتلئ الجيوب بالبسكويت الذي يوزعه في حنان على الأطفال الصغار ذوي البشرة البنية وهو في رحلاته. لا يمكن أن تصبح صحفياً غربياً مخضرماً دون أن تفهم كيف تكسب محبة السكان الأصليين.. هذا أساسي.
لماذا يتمتع الصحفي الغربي بكل هذه الخصوصية؟ المسألة أكثر من مجرد جواز سفر دولة معينة ومكان ولادة معين. الصحفي الغربي هو الصوت الذي لا ينطق عن الهوى، على العكس من أي صحفي آخر. الصحفي الغربي حنون، وحساس، وعليم، وهو، وهذا الأهم: غربي. الصحفي الغربي هو حسام الحقيقة الممشوق يشع ضياءً على أماكن مظلمة لا نفهمها.
ولكن، هناك بروفايلات عذبة قليلة للغاية عن الصحفي الغربي والدور الذي يلعبه/تلعبه في ري ظمأنا للصحافة المليئة بالإحساس ووهج السعي المستنير للحقيقة. وتحديداً الصحفي الغربي الجريء الذي لا يخشى أو يتردد أن يجعل نفسه مركز اهتمام أي كان ما يغطيه من أحداث. لا تكتسب القصة الصحفية معنى إلا عندما تصلنا من منظور شخصية الصحفي الغربي المعقدة.
الصحفي الغربي الذي اخترنا كتابة بروفايل عنه يتخصص في الشرق الأوسط، مثلما فعل الكثير من عظماء الصحفيين الغربيين. اتفقنا على الاجتماع في مقهى، حتى يُتاح لنا أن “نتهطل” عليه في مكان عام. إنه منطلق دون أن يوحي بأي تهديد جنسي، وسيم دون أن يكون “كيوت”، عليم بالأمور دون أن يظهر بمظهر “أبو العريف”. هو مهضوم حقه بشكل أنيق ألق، يسير هنا وهناك وكأنه رجل يعرف ما يريده ويعرف الفيكسر (المُساعد من السكان المحليين) الذي يمكن أن يساعده في الحصول على ما يريده هذا.
يرحب بنا بعربية كسيحة، لكنها مُحببة للنفس. بعد أن يستنفد الكلمات الأربع الأساسية التي يعرفها في اللغة العربية والتي تكفي وتزيد لكي يفهم بها المنطقة، ينتقل إلى الإنجليزية. أخبرنا، أخبرنا بكل شيء، هكذا نرجوه. لماذا أنت عظيم جداً هكذا؟ ماذا نفعل لنصبح مثلك؟ كيف نكتسب ذلك المزيج غير المزعج بالمرة من “الحنية” والسطوة الأخلاقية؟ من أين تشتري ملابسك؟
ساعته السويسرية الكبيرة الثمينة دليل على هوس الصحفي الغربي العظيم المألوف بالدقة والانضباط. ننظر إلى ساعاتنا الصينية الصنع بقرف. كراسته التي يرميها بإهمال على المائدة يبدو وكأن طائفة من الجن صنعتها يدوياً لأجل ملك، مجلدة بالجلد الطبيعي ويبدو عليها الأهمية التامة. نحن ندون ملاحظاتنا في كراريس مدرسية رخيصة بأقلام “بين”. لا عجب أن لا أحد يعاملنا بجدية، نحن الصحفيين غير الغربيين.
لكن الأمر أكثر من محض ساعات وأقلام باهظة. الحذاء مثلاً يبدو عليه وبكل وضوح مظهر الصحفي الغربي المهم. لن ترى هذا بشكل مباشر طبعاً، الموضوع أعقد بكثير، إذ أن في الحذاء مزيج من العملية والستايل والراحة، وهو خلاصة وجوهر الصحفي الغربي أساساً. ثم الإحساس بأهمية الذات، مغلفة بمستوى سليم تماماً من التواضع الكاذب.
بطل هذا البروفايل يبدو مخضرماً هرماً لدرجة التوازن التام بين السطوة الأخلاقية والخبرة. لكن وشاحه الحريري يقول عنه إنه حنون، وحساس، ويهتم بالإنسانية. ولت الأيام التي كانت وظيفة الصحفي الغربي فيها تغطية الحقائق والفعاليات، فاليوم هو أو هي تجسيد للإحساس الإنساني بالقضايا الإنسانية، وهي السمة المعاصرة للثقافة الغربية. نحن متخلفون عنهم بكثير!
يمكن أن نمضي في كلامنا هذا من هنا لغداً، لكن للإنصاف فهذا أمر جدير بحفلات جوائز الصحفيين الغربيين التي تنعقد في نهاية العام، إذ لا نريد أن نفسد عليهم كرنفالاتهم التي يهنئون فيها أنفسهم بأنفسهم. الحق أن الصحفي الغربي هو الأفضل. الصحفي الغربي متميز. الآخرون جميعاً يجب أن يكفوا عن المحاولة. لكن لا أقصد أن يكفوا فعلا عن المحاولة بالمعنى الحرفي للكلمة، فنحن نحتاجهم في المهام الخطرة على إرسال صحفي غربي حقيقي إليها، لكن اعرفوا حجمكم وكده.. وهاتوا أقلام أنظف!
تعقيب: قراءات عمرو خيري … وترجماته | THEAsiaN | Arab