كتبت: ريتا سولير على موقع Mega Founder ترجمة: محمود حسني
في مواجهة اقتصاد غير قابل للاستمرار بشكله الحالي، يحاول المجتمع إيجاد مجموعة من القنوات الجديدة لإحداث شيء ذو قيمة. فهل يمكن أن ينجح هذا في خلق مقاربات أكثر انفتاحا وأقل تنافسية؟
يوما بعد يوم، نتلقى المزيد من الأخبار التي تضغط علينا لتغيير الطريقة التي يسير بها نظامنا الاقتصادي/الاجتماعي. عند هذه النقطة، يجب القول إنه ليس أمرا مجهولا كون اقتصادنا الحالي، الذي يرتكز على تراكم الأصول والمدخرات والنمو اللانهائي غير قابل للاستمرار بهذه الصورة. في هذا العالم الذي نعيش فيه، حيث عدم المساواة الاقتصادية تزداد، ونمط حياتنا الاستهلاكي بجنون يأخذنا بتأثيراته إلى حافة كارثة بيئية؛ أصبحت هذه القضية هي الهمّ الوحيد في وقتنا الحالي حتى نجد طرق جديدة لإعادة بلورة “السوق”.
نموذج “الاستهلاك التعاوني”collaborative consumption ، والذي يعتمد على فكرة أساسية تتلخص في أن “المشاركة أفضل من الامتلاك”، أصبح يكتسب زخما. فاليوم، غالبنا لديه الكثير من الأشياء مثل سيارات، ومعدات، ومهارات وغيره، لا نستخدمها بشكل دائم. ولهذا، تسقط في حالة من عدم الاستخدام. مثل تلك الدراجة القديمة والتي مازالت بحالة جيدة ولكننا نستخدمها فقط في يوم عطلة أسبوعية مشمسة. أو ذلك الجيتار الذي نعزف عليه فقط في ليلة مقمرة أمام نيران الحطب التي نشعلها بجانب المخيم. مشاركة هذه الموارد غير المستخدمة من الممكن أن تساعدنا ماديا وتجعل الآخرين قادرين على استخدامها.
في الواقع، هذا الأمر ليس مفهوما جديدا، ففي السنتين الأخيرتين أصبح “اقتصاد المشاركة”Sharing Economy بديلا حقيقيا للنموذج الاقتصادي القديم (شراء – رمي). وعلى الرغم من أن الكثير من المبادرات مازالت في مرحلة تجريبية، إلا أن الكثير من المشاريع ظهرت بالفعل، مثل مشاركة السيارات، تبادل المنازل، وأماكن العمل المشتركة، أو حتى التمويل التعاوني.
إعادة تشغيل النظام الإمكانيات المقدمة من خلال “ديموقراطية المعرفة”، والمصادر المفتوحة، ووسائل التواصل الاجتماعي (شكرا لـ: إنترنت الموبيل – ثورة الحوسبة السحابية – التداول النقدي المشفر على الإنترنت) تساعدنا على تغيير سلوكنا كمستهلكين. شبكات التواصل الاجتماعي سمحت لنا بالوصول الفوري لما نريد. وببطء تمكنا من استعادة الثقة. ومن ثم بدأنا نعود إلى فكرة تقييم إمكانية الوصول إلى الموارد بدلا من اقتنائها، وإلى القدرة على رؤية أن القيمة في إمكانية الاستمتاع بالأشياء بدلا من امتلاكها.
هذه ليست مجرد فكرة هشة، أو مصطلحا جديدا، ولكنها قوة ثقافية واقتصادية تعيد اختراع ليس فقط “ما نستهلكه” ولكن “كيف نستهلكه”.
وإذا نحينا جانبا حقيقة أن التكنولوجيا مكنتنا من الاستهلاك التعاوني، فالسبب الرئيس لاكتساب ذلك النوع من الاقتصاد المزيد من الداعمين في هذا الاتجاه يكمن في الأزمة الاقتصادية التي نمر بها. ففي هذه الأوقات، لجأ الكثير من الناس إلى خيارات الاقتناء الالكتروني دون مقابل والتي وجدوها أقل تكلفة من النماذج الاقتصادية التقليدية. كما أنه بالنسبة للآخرين من الميسورين، لم يكن الأمر بالنسبة لهم حول تقليل النفقات بقدر ما كان حول الاستخدام الرشيد للأشياء. كمثال، لماذا ادفع من أجل حجز مكان لوقوف سياراتي طوال اليوم في الوقت الذي لا استخدمه فيه سوى لنصف اليوم؟ في الحقيقة، هناك الكثير من المواقع الالكترونية التي تمكنك من مشاركة المساحة المخصصة لوقوف سيارتك مع الآخرين. ما يعني أنه لم يعد عليك أن تدفع من أجل شيء عندما لا تستخدمه.
كما أن “اقتصاد المشاركة” ليس مجرد سعي نحو استخدامات اكثر كفاءة للموارد، أو الحصول على مزايا وحوافز مادية. ولكن الأسباب الرئيسية التي جعلت الناس تختار هذا الأمر تذهب لما هو أبعد من ذلك. إنها الحاجة لـ “إعادة تشغيل” النظام، بقيم جديدة كما قال لويس تامايو، محلل التوجهات الاجتماعية والاستهلاكية في حوار مع صحيفة “إلموندو” الإسبانية. ومن ناحية أخرى، كيف يمكن شرح حقيقة أن الناس بدأوا المشاركة في مبادرات مقايضة حرة!
في الحقيقة، تبعا لدراسة قام بها “كامبل ميثون” بعنوان: “المنافع العاطفية” من بين الأسباب الرئيسية لإسهام الناس في “اقتصاد المشاركة”، جاءت مجموعة من القيم التي يفكر فيها كل المنضمين لهذا التوجه الاقتصادي:
سخاء: أستطيع مساعدة نفسي والآخرين.
المجتمع: أنا ذو قيمة وانتماء.
نمط الحياة: أنا ذكي، وأكثر تحملا للمسؤولية.
ثقافيا: أنا جزء من حركة التغيير.
بعض الأصوات البارزة ألمحت إلى أن حركة الاستهلاك التعاوني من الممكن أن تصبح الإرث الأكثر استمرارية وسط هذا الركود الاقتصادي الذي نعيشه. هذا التحول في القيم هو ما يقودنا إلى التخلي عن فكرة تراكم الأشياء المملوكة لدينا من أجل التمسك بفكرة استخدامها عندما نكون في حاجة إليها.
في الحقيقة، هذا التغير الجوهري في الطريقة التي نحصل بها على ما نحتاجه أدى بالفعل إلى خسارة في إيرادات الشركات ذات النمط الاقتصادي التقليدي. يكفي القول أنه في بداية 2012، AirBnB، وهو منصة إلكترونية حيث يمكن للناس تأجير منازلهم للآخرين، كان لديهم 120 ألف غرفة تحت الطلب. بعد عام، أصبح لديهم 300 ألف غرفة. وفي بداية 2014، أصبح لديهم 500 ألف غرفة. وتبعا لدراسة أجرتها جامعة بوسطن، فزيادة 1% في العروض التي يقدمها AirBnB تُترجم إلى نقص 0.05% في دخل قطاع الفنادق.
ليس غريبا أن نجد أصحاب المكاتب قد انضموا إلى العارضين في هذا الموقع الإلكتروني. يقول جو كروس (شريك تمويل في مشاريع جوجل والذي استثمر في ثلاثة مشاريع لمنصات مشاركة السيارات): “اقتصاد المشاركة توجه حقيقي. لا أظن أنه مجرد شيء مؤقت”. في الحقيقة، جوجل هي المستثمر الرئيس في هذا السوق، وقد جذبت إليه بالفعل أكثر من 2 مليار دولار من رأس المال الاستثماري.
منذ القدم، كان تبني طرق جديدة للتعامل مع أمور حياتنا لا يحل تماما محل الطرق القديمة. ولكن، تقريبا، دائما ما كانت تغيرها. كما أدى التسوق الإلكتروني إلى إجبار محلات السوبر ماركت على القيام بالأمور بطريقة مختلفة، فالاستهلاك التعاوني سوف يهز الكثير من قطاعات الاقتصاد مثل قطاع البنوك.
تبادلت البشرية البضائع والخدمات من قبل أن يكون هناك ما يسمى اليوم النقود. اليوم، مرة أخرى، تطلق التكنولوجيا العنان لغريزة المقايضات القديمة. فقط هذه الأيام يمكننا القيام بهذا الأمر على نطاق واسع. كمستهلكين، لدينا الفرصة لخلق سوق جديد. ونحن نقوم بذلك بالفعل. سواء كان الأمر من أجل الحفاظ على المال، أو تغيير الطريقة التي تسير بها حياتنا. السؤال الآن، هل سنتمكن من استغلال الفرصة قبل أن يتم إفسادها؟