الإنتاج الشامل للرغبة وماكينة الدوناتس

بقلم – بول مولينس لموقع أليجرا
ترجمة – عمرو خيري

قليلة هي الأطعمة التي تُنتج إنتاجاً شاملاً وكبيراً أكثر من الدوناتس. في حين أن مستهلكي الدوناتس لديهم مشاعر معقدة تجاه أسماء تجارية معينة للدوناتس ومتاجر محلية بعينها، أو يفضلون نوعاً على الأنواع الأخرى، فإن الدوناتس طعام موحد المعايير للغاية. الحق أن عملية “توحيد” الدوناتس، ومجهولية مكوناتها، والاعتراف الظاهر والجريء بأن الدوناتس طعام ترفيهي مرتبط بالرغبة لا أكثر، قد تكون هي النقاط التي يثيرها دوماً الرافضين لهذا الطعام. الدونات المعاصرة تكاد تكون وبشكل كامل طعام منتج إنتاجاً صناعياً شاملاً، وربما لا يوجد عنصر مادي أكثر أهمية في تطور الدونات المعاصرة من ماكينة صناعة الدوناتس. في العشرينيات، تمت ميكنة إنتاج الدوناتس، ولم يعد في الثلاثينات مثلاً ثمة حاجة لوجود خباز ماهر لصناعة هذا الطعام. ماكينة الدوناتس هي الخطوة الأهم على طريق ضم الدوناتس إلى الأغذية المستهلكة على النطاق الكبير.

وصل أدولف ليفيت إلى الولايات المتحدة في تسعينيات القرن التاسع عشر. عمل في عدة متاجر في ويسكنسن قبل أن ينتقل إلى مدينة نيويورك في عام 1916 ليشتري هناك سلسلة مخابز. أحس ليفيت بالإحباط من التحديات المحيطة بعملية خبز مئات الدوناتس يدوياً وإخراجها من الفرن قطعة وراء قطعة، فقام في عام 1920 بتطوير نموذج أولي لماكينة الدونات قام بتسويقه بعد ذلك للمخابز الأخرى. بدأ ليفيت في تصنيع وتوريد ماكينات الدوناتس وفي تحضير خليط موحد من الطحين لخبز الدوناتس نال شهرة وانتشاراً في شتى أنحاء الولايات المتحدة، وسرعان ما تحول متجر بيع الدوناتس الخاص به إلى سلسلة من المتاجر التي عُرفت باسم “مايفلاور دوناتس”.

الصورة: Wade Terrell Tharp

الصورة: Wade Terrell Tharp

فهم ليفيت أن بالنسبة للعديد من مستهلكي الدوناتس فإن فعل الإنتاج ذاته يمثل مسرحاً مدهشاً: ماكينة الدوناتس التي عرضها أمام الزبائن المنتظرين زادت من التشويق والرغبة لدى المستهلك الذي ينتظر قطعة الحلوى الطازجة هذه عند نهاية خط الإنتاج. كثيراً ما يقول محبو الدوناتس أن الدونات الطازجة أفضل بكثير من التي يتم تسخينها، ومن الدونات الباردة، وبالنسبة للعديد من المستهلكين فهناك متعة حسية واضحة ومرغوبة في مشاهدة الدونات وهي تخرج من الماكينة مصحوبة بروائح السكر والخمير.

لا يبدو أننا مهتمون بصفة خاصة بمشاهدة الكثير من الأغذية التي نتناولها أثناء إنتاجها، إما على يد شيف ماهر أو بموجب عملية آلية، لكن الدونات التي تطفو وتتحرك وسط بحر من الزيت المغلي جذبت انتباه مستهلكي الدوناتس إليها دائماً.

“توحيد” ليفيت لماكينة صناعة الدوناتس وتسويقه للإمدادات اللازمة لخبز الدوناتس أفرغت عملية استهلاك الدوناتس من كل المفاجآت، إذ لا يوجد الكثير من التباين بين قطع الدوناتس التي تخرجها تلك الآلة. هذا “التوحيد” لإجراءات الإنتاج هو السائد في أوساط سلاسل محال الفاست فود، والدوناتس التي تنتجها تلك المطاعم تتشابه جميعاً في الطعم بغض النظر عن مكان إنتاجها واستهلاكها؛ من ثم تحتل ماكينة الدوناتس مكانة مهمة على خريطة ثورة الإنتاج والاستهلاك الشامل للأغذية. بنهاية الحرب العالمية الثانية كانت شركة ليفيت دونات الأمريكية هي أكبر صانع لخليط طحين الدوناتس وللسلع الخاصة بالمخابز، ولها مصانع في الولايات المتحدة وكندا وإنجلترا وأستراليا. صاحب هذا زيادة ثابتة في استهلاك الدوناتس في الولايات المتحدة، إذ وبحلول عام 1945 أصبح الأمريكيون يستهلكون 7.2 مليار دونات في العام. وطبقاً لإحدى الإحصاءات أصبح المعدل هو 10 مليار دونات سنوياً.

الصورة: Wade Terrell Tharp

الصورة: Wade Terrell Tharp

إنها مفارقة مدهشة، أن يتحول العديد من منتجي الدوناتس في مطلع القرن الحادي والعشرين إلى صناعة الدوناتس يدوياً. متاجر الدوناتس المصنوعة يدوياً يديرها طهاة مدربون مهرة، باستخدام مواد عضوية وبنكهات مبتكرة وإن كانت غريبة (مثال: هناك مُنتج دوناتس يحضر نكهة الجبن بالنبيذ ومربى الكمثرى). هذه الدوناتس ربما تتحدى الدوناتس المصنوعة بالآلات التي هيمنت على الأسواق لنحو قرن، وتحاول الاقتراب من المستهلكين من مدخل الابتكار والتفرد في تجربة الاستهلاك عن طريق تناول دونات يدوية الصنع بنكهات خاصة. لكن جميع الشواهد تشير إلى أنه رغم توجه المستهلكين الكوزموبوليتانيين للأغذية يدوية الصنع، فإن الدوناتس المصنوعة عبر آليات الإنتاج الصناعي الشامل والقائمة منذ قرن من الزمان سوف يستمر الإقبال عليها واستهلاكها بمعدلات عالية.

.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s