عرض كتاب ليلى أبو لغد: هل المسلمات في حاجة إلى الإنقاذ؟

كتبت هارييت جيمس لموقع أليجرا
ترجمة – ضي رحمي

يتجاوز كتاب ليلى أبو لغد “هل المسلمات بحاجة لإنقاذ؟” أفكارها التي سبق أن طرحتها في مقال سابق يحمل العنوان نفسه. وكما تصف هي الكتاب، تقول: “هو رد مطول على مسألة ما إذا كانت للمرأة المسلمة حقوق واحتياجات بحاجة للإنقاذ” (ص.201). وموضوع الكتاب الرئيسي هو أنه وبلا شك هناك بعض النساء قد يكنّ في حاجة إلى المساعدة، إلا أن الطريقة التي ينظر بها الغرب إلى أولئك النسوة وتهدف إلى “إنقاذهن” تضعف من مكانة ووضعية النساء أمام أولئك الذين يدعون تقديم المساعدة.

تفنّد أبو لغد في كتابها عددًا من النقاط لدعم وتوضيح موقفها. تتناول فصول الكتاب مختلف المطبوعات المنتشرة حول المسلمات، سواء السير الذاتية الشعبية “غير الأدبية”، أو الكتب التي تتحدث عن أهمية وضرورة إنقاذ النساء، مثل كتاب “نصف السماء” للزوجين نيكولاس كريستوف وشيرل فودون. وباستعراضها لتلك المطبوعات اصبحت  أبو لغد قادرة على مناقشة مفهوم بلاد الإسلام (تجانس وتماسك الإسلام والمسلمين في كل مكان)، وكذلك الاستشراق الجندري (استشراق النوع الاجتماعي) ومشروعية الحروب الأخلاقية (وهذا عنوان فصل من فصول الكتاب). في النصف الثاني من الكتاب تبحث في هوس الغرب بجرائم الشرف، وموقع علماء الأنثروبولوجيا من مجال حقوق الإنسان، وحقوق المرأة بشكل خاص اليوم.

تبدأ أبو لغد بالبحث في الاستخدام الأمريكي الحديث لصور النساء الأفغانيات المنتقبات في حملة تهدف إلى بناء حركة داعمة ومؤيدة للحرب في أفغانستان. وتوضح أن الصورة العادية لامرأة، أو بالأحرى لامرأة مسلمة محجبة، تروج لافتراضية المستشرقين حول تعرض المسلمات للقهر وبالتالي ضرورة إنقاذهن. وبتسليط الضوء على الطابع السياسي لهذه الصور، تكشف أبو لغد الأفكار الاستشراقية والمناهج الكولونيالية التي لا تزال تشوه صورة المسلمات. من هذا المنطلق، تمكنت أبو لغد من نقد تزايد الكتب التي تركز على حياة ومعاملة النساء المسلمات مؤخرًا (والذي تسميه ‘شطحات خيالية’). والحقيقة أن هذا الموضوع سبق وأن بحثه عدد من المؤلفين مثل ميلاني (2008) وإليزابيث مارشيل واوزلام سينسوي (2011) الذين خلصوا بالمثل إلى أن هذا الفعل لا يسهل انتشار آراء المستشرقين عن النساء المسلمات فحسب، لكنه يعني أن كل النساء المسلمات في حاجة إلى، بل ويرغبن في إنقاذ الغرب لهن أيضًا. وبالتالي تحمل تلك الكتب سمات مشتركة: النساء المسلمات مستغَلات ويتعرضن للإيذاء، ومحاولاتهن للهروب (لعدالة المُثل الغربية) كلها أمور “حقيقية”.

Lila_Abu-Lughod

وبينما تحقق أبو لغد في انتشار الكتب الخيالية (على حد قولها)، تبحث في نصوص أخرى، بما في ذلك كتاب “نصف السماء”، الذي كان بمثابة دعوة للحركات النسوية الغربية للسعي لإنقاذ النساء في جميع أنحاء العالم. ورغم اتفاقها على أن هناك بالفعل نساء بحاجة إلى المساعدة في العالم النامي، إلا أنها تشير أيضًا إلى تشتت تركيز هؤلاء المؤلفين بعيدًا عن قضايا هامة داخل بلدانهم: فظاهريًا تعد أمريكا بلدًا “حرًا”، ومع ذلك لازال هناك العنف، والعنف الأسري، ومختلف أشكال الجرائم والإساءات التي غالبًا ما يتم تجاهلها في مثل تلك الأعمال. وبدلًا من ذلك، يركزون على ضرورة إنقاذ النساء التعيسات اللواتي ( صوابًا أم خطأ) ليس بإمكانهن إنقاذ أنفسهن.

في هذا الجزء،  تحفز أبو لغد القارئ على إعادة النظر في افتراضاته ومعتقداته الخاصة من خلال البحث في أعمال هؤلاء الذين قد ينعتهم البعض بالأنقياء، الذين يستهدفون المساعدة فقط لا غير. رغم أنهم في الواقع، بحسب أبو لغد، لا يفعلون سوى تكرار صور نمطية مؤذية وغير ضرورية.  وبالنسبة لي، كشخص قرأ كتاب نصف السماء، أشعر أن وجهة نظرها صحيحة وضرورية، لكن ليس بإمكان المرء إلا أن يتساءل، إذا كانت كل المطبوعات والأعمال حول النساء والأطفال في الحضارات الأخرى هي جزء من الاستشراق الجندري، فهل يجدر بنا الاستمرار في التبرع للجمعيات الخيرية ودعمها؟ أين هو الحد المفاهيمي الفاصل بين أن تكون مدركًا ومتحديًا لمثل تلك القضايا وبين أن ترفض مجمل الخطاب؟ وتلك، بالطبع، مشكلة واجهها العديد من علماء انثروبولوجيا التنمية (مثل أرتورو إسكوبار، وموس وبورتر).

مثل كثيرين آخرين قبلها، تشكك أبو لغد في موقع علماء الأنثروبولوجيا داخل الخطاب – أيجدر بهم تبني نهج المتشددين من أمثال شيبر هيوز، أو أن يكونوا أكثر حذرًا؟ وبالنسبة لها فإن هذا الحذر نابع من تجربتها الشخصية مع نساء مسلمات “حقيقيات”، ومعرفتها أن مشكلة امراة ما ليست بالضرورة مشكلة جارتها، أو بلدها، أو جميع المسلمات. في هذا القسم، تقدم أبو لغد مجموعات إسلامية تبحث في حقوق النساء، وتحرص على تذكير القارئ بأنها لا تقصد الاستهانة أو التقليل من العمل المفيد والايجابي الذي يقوم به النشطاء، لكنها تسلط الضوء على الاعتبارات التي يجب أن يراعيها علماء الأنثروبولوجيا الباحثين في الحقوق والقضايا داخل الخطاب.

في استطلاع هذه الجوانب اعتمدت أبو لغد على خبرتها الشخصية، على العمل الميداني وفهم النساء المسلمات المعاصرات. كما أشارت هي في الصفحة الافتتاحية، المسألة ليست أن هؤلاء النسوة لا يتعرضن للاضطهاد، أو أنهن لا يدركن أنهن مضطهدات، لكن الفكرة أنهن لا ينظرن لذلك باعتباره خطأ الإسلام، أي الافتراضية التي يميل الغرب لتصديقها. ولذلك فإن القضية ليست هي “هل النساء في حاجة للإنقاذ؟” بل “هل المسلمات بحاجة إلى الإنقاذ؟” والمواقف المصاحبة لهذا السؤال التي تنبهنا إليها أبو لغد. عوضًا عن ذلك، تريد أبو لغد أن ينظر القارئ إلى هؤلاء النساء باعتبارهن بشر حقيقيين، ويسأل نفسه بماذا يفكرن، وماذا يردن، وما هي آمالهن، بدلًا من وضع افتراضات بالنيابة عنهن.

حين نتحدى تلك الافتراضات، فإننا نتحدى الُمثل الراسخة البالية التي لم تعد صالحة. وبالتالي تدفعنا أبو لغد لإعادة النظر في افتراضاتنا والتكلفة التي قد يتكبدها من نوليهم اهتمامنا جرّاء وجهات النظر تلك. قطعًا، لا يخلو كتاب أبو لغد من العيوب، كما تشتمل الفصول على الكثير من المواضيع المختلفة لا يربط بينها إلا الاستشراق. ورغم أنها لو أجرت بحثا أكثر دقة في الاستشراق، وخاصة الاستشراق الجندري (استشراق النوع الاجتماعي)،  لكان ذلك مفيدًا، إلا أن حججها تظل مقنعة، ومثيرة للاهتمام ووثيقة الصلة بقضايا عالمنا اليوم.

فكرة واحدة على ”عرض كتاب ليلى أبو لغد: هل المسلمات في حاجة إلى الإنقاذ؟

  1. تعقيب: توك توك الأنثروبولوجيا (الحلقة 2): فورمة الساحل! | قراءات

.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s