قراءة في كتابين عمّا تفعله “التنمية” في فقراء العالم الثالث
المشي مع الآخرين (4)
هذه المجموعة من المقالات بعنوان “المشي مع الآخرين” المقدمة في “قراءات” تباعاً، تأتي بإلهام من أفكار أستاذ الأنثروبولوجيا والمُنظّر تيم إنجولد، وهي أفكار سطرها في مقال له بعنوان “أنثروبولوجيا عالم واحد”، وقرأ مسودته في محاضرة في جامعة لوند في خريف عام 2016. هذه المقالات “المشي مع الآخرين” تتبنى فكرة إنجولد عن فهم بديل للعالم: بدلاً من النظر للعلاقة بين شيء وآخر متصل به بصفتها رباط بين نقطتين أو جمادين (مُثنى جماد)، فلننظر إليها (أية علاقة) بصفتها الفرع يخرج من الجذع (كما في شجرة).
يرتبط مجالا دراسات التنمية والبيئة السياسية بعلاقة وثيقة تتجاوز حدود التخصصات الأكاديمية التقليدية، فهما تخصصان يقع كل منهما بين تخصصات عدّة (interdisciplinary) ويشتركان في الاجتماع حول سؤال مركزي مشترك: كيف تتقاطع السلطة والموارد والبيئة في تشكيل مصائر المجتمعات، خصوصًا في الجنوب العالمي؟
تُعنى دراسات التنمية بفهم عمليات التغير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، مركزة على قضايا الفقر، الحوكمة، السياسات العامة، ونماذج النمو في الدول النامية. بينما تنطلق البيئة السياسية من زاوية مختلفة، لكنها تتقاطع معها: فهي تبحث في الكيفية التي تؤثر بها العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في قضايا البيئة وإدارة الموارد الطبيعية. وبذلك، تشكّل البيئة السياسية عدسة نقدية لفهم “التنمية” ذاتها، ولتشريح الخطابات التي تحيط بها، والنتائج التي تترتب عليها على الأرض.
في كثير من الأحيان، يُنظر إلى الإيكولوجيا السياسية بوصفها فرعًا نقديًا ضمن دراسات التنمية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتحليل المشاريع التنموية التي تمسّ الأرض والماء والغابات وسبل العيش. فتسهم الإيكولوجيا السياسية في الكشف عن الأبعاد غير المرئية للتنمية: مثلًا، حين تُفرض سياسات الحفاظ على البيئة أو مشاريع التنمية “الخضراء” بدعوى الاستدامة، فإنها كثيرًا ما تُفضي إلى تهميش المجتمعات المحلية، أو طرد السكان من أراضيهم باسم حماية الطبيعة، أو فرض أنماط زراعية وصناعية جديدة تحت مسمى “الإصلاح” أو “تحسين الظروف”.
كلا الحقلين يشتركان في أدوات ومناهج بين-التخصصات (بينية)، ويستعيران من حقول مثل الأنثروبولوجيا، والجغرافيا، وعلم الاجتماع، والعلوم السياسية والتاريخ. وتميل الأعمال الكبرى في “دراسات التنمية” إلى استخدام مناهج “دراسات الحالة”، وفي المقابل قد تتحرى الأعمال الهامة والفارقة في “الإيكولوجيا البشرية” رؤية فلسفية تسعى لإعادة النظر بشكل ناقد في مفاهيم مركزية مثل “العدالة” و”اللامساواة”. كما يُولي هذا الحقل المعرفي وذاك اهتمامًا بالغًا بالتجربة الحية للناس، ويعتمدان بشكل واسع على البحث الإثنوغرافي والمشاركة المجتمعية. من المفاهيم المحورية التي تجمع بينهما: السلطة، والخطاب، والحوكمة (الإدارة)، والإقصاء لبعض الفئات، والمقاومة.
ولقد ساهم عدد من المفكرين في بناء هذا الجسر بين دراسات التنمية والإيكولوجيا السياسية. من أبرزهم أرتورو إسكوبار الذي قدّم نقدًا جذريًا لخطاب التنمية من منظور بيئي-ثقافي، وبليكي وبروكفيلد اللذان ربطا تدهور الأراضي بالبنى السياسية والاقتصادية، وتانيا موراي لي التي درست كيف تتحوّل مشاريع التنمية البيئية إلى أدوات للحكم تستهدف تحقيق الأرباح وإعادة تشكيل المجتمعات المحلية.
وعليه، فإن العلاقة بين هذين الحقلين ليست علاقة مجاورة، بل علاقة تشابك منهجي ونقدي، تتيح لنا تجاوز النظرة التقنية للتنمية نحو فهم أكثر عمقًا للطريقة التي تُدار بها الحياة في ظل اختلالات السلطة و”النية الحسنة” التي تخفي أنماطًا جديدة من السيطرة، وإن كان حقل “دراسات التنمية” فيه العديد من الأعمال غير الناقدة التي تكتفي بالنظرة السطحية دون فهم آثار المشاريع التنموية الأعمق على الناس.
في جوهر هذا التداخل، تظهر الإيكولوجيا السياسية كمرآة تعكس الوجه الخفي للسياسات التنموية: لا كوعود خيّرة بالتقدم، بل كممارسات مشروطة بالتحكّم، والمراقبة، وإعادة ترتيب العلاقة بين الناس والموارد، وبين الدولة والمجتمع. وبذلك، تتحوّل التنمية إلى ساحة سياسية بامتياز، تتقاطع فيها النوايا مع النتائج، والخطاب مع الواقع، والتخطيط مع المقاومة.
ولقد اخترنا في قراءات أن نقدم هذا التشابك بين المجالين (دراسات التنمية والإيكولوجيا البشرية) من خلال استعراض كتابين يقفان على تخوم هذا الحقل المعرفي وذاك، بمناسبة صدور الطبعة الثانية من أولهما هذا الشهر، وهو كتاب “الجميع يحب مواسم الجفاف وخيرها” للصحفي الهندي بالاجومي سايناث، والكتاب الثاني هو عمل أكاديمي بعيد عن اللغة الأكاديمية الشاقة، وهو كتاب تانيا موراي لي، “إرادة التحسين: الحوكمة والتنمية وممارسة السياسة”.
“الجميع يحبون مواسم الجفاف وخيرها” – بالاجومي سايناث
في كتابه “الجميع يحبون مواسم الجفاف وخيرها”، يقدّم الصحفي الهندي بالاجومي سايناث واحدة من أبرز وأهم الشهادات الإنسانية على الفقر الريفي في الهند، بعيدًا عن الخطاب الرسمي والنظريات الاقتصادية الجوفاء. لا يُكتب هذا العمل من خلف مكتب أو عبر تقارير الخبراء، بل وُلد من معايشة حقيقية، إذ قضى سايناث ثلاث سنوات من حياته ينتقل بين أفقر مناطق الهند، خصوصًا ولايات أوريسا وجهارخاند وبيهار وتاميل نادو، وكتب أكثر من ثمانين تقريرًا ميدانيًا نشرت في الصحافة، جُمعت لاحقًا في هذا الكتاب عام 1996. يدمج الكتاب بين الأسلوب الصحفي الاستقصائي واللمسة الأدبية الإنسانية، ليكشف شبكة معقدة من الظلم الاجتماعي والسياسات الفاشلة التي جعلت الفقر جزءًا ثابتًا من حياة الملايين.

منذ اللحظة الأولى، يُفاجئنا سايناث بعنوانه. العنوان ليس تهكميًا فقط، بل هو صادم أيضًا. فهو يشير إلى ظاهرة يعرفها الفلاحون في الهند جيدًا: عندما تضرب موجة جفاف منطقة ما، تهرع الحكومة إلى تصنيفها كمكان منكوب، ومن ثم تُطلق برامج الإغاثة والمساعدات والمشاريع التنموية. غير أن هذه الموارد لا تصل إلى مستحقيها غالبًا، بل تُحوّل إلى مصدر ربح للمسؤولين المحليين والبيروقراطيين والمقاولين والسياسيين. وهكذا، يصبح الجفاف بالنسبة لهؤلاء “فرصة استثمارية”، ومناسبة لتوسيع النفوذ. في حين يُترك الفقراء يواجهون الجوع والعطش والانهيار دون حماية حقيقية.
يضم الكتاب فصولًا متعددة، كل منها يعالج زاوية من زوايا الفقر، بأسلوب يجمع بين التحليل الدقيق والسرد القصصي. ففي فصل “مقدمة العبث”، يصف سايناث كيف تُبنى مشاريع حكومية لا علاقة لها بالحاجة الفعلية للناس. مثلًا، تُبنى آبار مياه في مناطق لا وجود لمياه جوفية فيها، فقط لأن المقاول تربطه علاقة بمسؤول في الإدارة. وتُشيّد مدارس بلا معلمين، وتُفتح مراكز صحية لا تحوي طبيبًا واحدًا. هذه القصص ليست نادرة، بل منتشرة، ويوردها سايناث بالأسماء والتواريخ والمواقع الجغرافية.

أحد أهم محاور الكتاب هو نقده لمنظومة التنمية الرسمية. فالمساعدات المخصصة للفقراء لا تصل إليهم، أو تُصمم بطريقة تُقصيهم. على سبيل المثال، يتحدث عن نظام التوزيع العام للغذاء، الذي يُفترض به أن يزود الفقراء بالأرز والسكر والزيت بسعر مدعوم. غير أن الواقع يختلف: تُباع هذه السلع في السوق السوداء، أو يُزوّر وزنها، أو لا تصل أبدًا إلى القرية. والنتيجة: استمرار الجوع وسط وفرة وهمية.
لكن الأخطر، في رأي سايناث، هو أن الدولة لا ترى الفقر كظاهرة بنيوية ناتجة عن الظلم، بل كحالة فردية، يمكن حلها عبر المعونات أو برامج التدريب. وهذا ما يسميه بـ”تفكيك الفقر إلى شظايا بيروقراطية”. فبدل النظر إلى الفقر كنتاج لغياب العدالة في الأرض والتعليم والرعاية الصحية والفرص الاقتصادية، تُختزل المسألة إلى قوائم غذائية أو بطاقات دعم.
يسلط سايناث الضوء أيضًا على التفاوت الطبقي والإثني في القرى، حيث تعيش طبقات مهمّشة بالكامل مثل “الداليت” والقبائل الأصلية في ظروف أقرب إلى العبودية. وهو يُخصص عددًا من فصوله لرصد التمييز الذي تعانيه النساء، لا سيما الفقيرات في الريف، واللواتي يتحملن العبء الأكبر من الأزمات. وتظهر قصص النساء كأمثلة على التهميش المتقاطع: الفقر، والنوع الاجتماعي، والانتماء الطبقي.
ورغم هذا السواد، فإن الكتاب لا يخلو من الأمل. فسايناث يعرض قصصًا عن مبادرات ذاتية من الناس أنفسهم. نساء يشكّلن تعاونيات صغيرة، مزارعون ينظمون أنفسهم لرفض مشاريع سلب الأراضي، شباب يطلقون حملات محو أمية رغم نقص التمويل. في إحدى القرى، نجحت مجموعة نسائية في استئجار محاجر مهجورة، وبفضل عملهن الجماعي، استطعن توفير دخل ثابت لأسرهن وتحسين ظروف حياتهن. سايناث يقدم هؤلاء لا كضحايا، بل كفاعلين مقاومين ضمن بنية مختلّة.
يتميّز الكتاب باستخدامه للغة حية، ذات طابع أدبي. عناوين الفصول غالبًا ما تكون رمزية ساخرة: “الديون والخداع والائتمان”، “الجريمة بلا عقاب”، “عندما يُقاتل الفقراء”. وحتى في وصفه للمآسي، يحتفظ سايناث بحس فكاهي مرير، يجعل القارئ يبتسم بمرارة وهو يقرأ عن العبث الحقيقي في إدارة شؤون ملايين البشر.
وقد لاقى الكتاب صدى واسعًا. اعتُبر مرجعًا رئيسيًا في الصحافة التنموية، وتُرجم إلى عدة لغات، وأدخل في مناهج دراسات التنمية والعدالة الاجتماعية في الجامعات. كما نال المؤلف عدة جوائز مرموقة، بينها جائزة رامون ماجسايساي للصحافة، لكونه جسّد نموذجًا للصحفي الذي يقف مع الناس لا فوقهم.
ومن بين التأثيرات العميقة للكتاب، أنه أجبر وسائل الإعلام الهندية على إعادة النظر في تغطيتها لقضايا الريف والفقر. فأطلقت بعض الصحف أقسامًا خاصة تُعنى بالريف، كما أُنشئت شبكات صحفية مستقلة بفضل هذا الزخم. ويُحسب لسايناث أنه لم يكتف بالكتابة فقط، بل أسس لاحقًا “أرشيف الشعب الريفي”، وهو مشروع غير ربحي يوثق القصص والتقاليد والأصوات غير المُمثَّلة في التاريخ الرسمي.
في خاتمة الكتاب، لا يقدّم سايناث حلولًا بسيطة، لكنه يُصر على أن بداية التغيير تكمن في الإصغاء الحقيقي للفقراء. فالمشكلة ليست في غياب الموارد، بل في غياب الإرادة السياسية، وتواطؤ النخب، وتهميش المجتمعات المتضررة من عملية التنمية نفسها. إنه يدعو القارئ إلى قلب المعادلة: أن نقرأ الفقر لا من تقارير الحكومة، بل من يوميات الناس.
هكذا يتحول كتاب “الجميع يحب الجفاف الجيد” من مجرد مجموعة تقارير إلى شهادة حيّة، مؤلمة، لكنها ضرورية، تكشف زيف الخطاب الرسمي وتُعيد الإنسان إلى مركز الحكاية. إنه عمل يتجاوز الصحافة، ويتحول إلى أداة مقاومة، وتذكير بأن العدالة تبدأ حين نمنح الكلمة لمن حُرموا منها طويلًا.
تانيا موراي لي – “إرادة التحسين: الحوكمة والتنمية وممارسة السياسة”
في كتابها “إرادة التحسين: الحوكمة، والتنمية، وممارسة السياسة”، تنقلنا تانيا موراي لي إلى قلب جزيرة سولاويزي الوسطى في إندونيسيا، حيث تشرع في رحلة إثنوغرافية عميقة لاستكشاف الكيفية التي تعمل بها مشاريع التنمية كآلية حكم، تحت شعار تحسين أوضاع الفقراء. تنطلق لي من فكرة مركزية مفادها أن ما يُسمى بالرغبة في تحسين أحوال المجتمعات الفقيرة ليس مجرد تعبير عن نوايا إنسانية أو نُبل بيروقراطي، بل هو فعل سياسي يحمل في طياته ممارسات السيطرة والضبط وإعادة تشكيل المجتمعات المحلية بما يتلاءم مع أهداف الدولة والسوق والجهات المانحة.
تبدأ لي بتتبع الموروث الاستعماري الذي شكّل أنماط الحكم في إندونيسيا، مركزة على العلاقة بين الدولة الهولندية والمؤسسات المحلية، وكيف أن نظم السيطرة القديمة أعادت إنتاج نفسها في شكل جديد من خلال برامج التنمية. لم تكن مشاريع التنمية الحديثة، بما فيها تلك المدعومة من البنك الدولي والمنظمات غير الحكومية، إلا استمرارًا لذات الأنماط السلطوية، وإن جاءت مموّهة بلغة الشراكة والمشاركة المجتمعية. كثير من هذه البرامج صيغت دون إشراك فعلي للسكان المحليين، بل فُرضت عليهم من الأعلى، وكان الهدف فيها هو تحويل الفلاح إلى كيان إنتاجي منضبط، يتماشى مع معايير السوق العالمية.

تُقدّم لي نماذج دقيقة من مشاريع محددة، مثل مشروع الدمج بين المحافظة على البيئة والتنمية، الذي أفضى إلى إخراج السكان من أراضيهم بحجة حماية الغابات، أو مشروع التنمية الريفية المدعوم من البنك الدولي، الذي اعتمد على آليات تمويل تنافسية عززت من سلطة النخب المحلية وأقصت الفئات الأكثر فقرًا. توضح الكاتبة كيف أدت هذه التدخلات إلى إعادة إنتاج التفاوت الاجتماعي بدلًا من الحد منه، وكيف أن لغة التحسين كانت غطاء لإعادة رسم حدود الشرعية الاقتصادية والاجتماعية.
تحلل تانيا كيف تؤدي الأدوات التقنية – مثل الخرائط والإحصاءات ومؤشرات الأداء – إلى ترسيخ منطق الحكم لتحقيق الأرباح، حيث تُستخدم هذه الأدوات ليس فقط لتحديد الاحتياجات، بل لضبط السلوك وإعادة تنظيم المجتمع على أساس جداول زمنية ومعايير قابلة للقياس. المشكلة لا تكمن في هذه الأدوات بذاتها، بل في كيفية استخدامها من قِبل الدولة والجهات المانحة كوسائل لإعادة تشكيل الحياة الريفية دون منح السكان المحليين حق تحديد ما يعنيه التحسين بالنسبة لهم.
في مواضع عدة، تكشف لي كيف أن السكان المحليين لم يكونوا مجرد مستقبلين سلبيين لهذه التدخلات، بل بادروا في كثير من الأحيان إلى مقاومة البرامج المفروضة عليهم. ففي بعض القرى، تشكلت حركات شعبية رفضت طرد الناس من أراضيهم، وطالبت بإعادة توجيه المشاريع لتخدم احتياجاتهم الحقيقية. كما استعادت بعض المجتمعات ممارساتها الزراعية التقليدية التي تتسم بالتنوع والاستدامة، ورفضت الانخراط في أنماط الإنتاج الأحادية التي فُرضت عليها باسم التنمية المستدامة.
في ختام الكتاب، تقدم لي نقدًا صارمًا للرؤية النيوليبرالية للتنمية، التي تصوغ الفرد كفاعل اقتصادي مسؤول عن مصيره، وتنسحب الدولة من دورها الاجتماعي لتفسح المجال أمام السوق. ترى الكاتبة أن هذا التصور يُقصي الفئات الضعيفة ويجعل من القدرة على الامتثال لمعايير السوق شرطًا للمواطنة الكاملة. هذا الصنف من التنمية لا يُحرر، بل يُعيد إنتاج الخضوع عبر أدوات جديدة.
وترى تانيا موراي لي أن الإرادة للتحسين ليست مجرد مشروع تنموي بل نمط من أنماط الحكم، حيث يُعاد إنتاج السلطة من خلال لغة العناية والخير العام. ومع ذلك، فإن السكان المحليين قادرون على مقاومة هذه السلطة، من خلال إعادة تعريف ما يعنيه التحسين، والمطالبة بحقهم في تقرير مصيرهم. وبذلك، يتحول التحسين من كونه أداة هيمنة إلى مساحة للصراع والمقاومة.
الكتاب في مجمله يجمع بين التحليل النظري المستلهم من ميشيل فوكو وأنطونيو غرامشي، والتحقيق الميداني الدقيق الذي يُنصت لأصوات المهمشين، وينقل تجاربهم في مواجهة منظومة تنموية تُفرغ السياسة من مضمونها. وهو ليس مجرد دراسة حالة عن إندونيسيا، بل عمل يُحاور قضايا التنمية والحكم والمواطنة في العالم بأسره.
من خلال هذا العمل، تعيد تانيا موراي لي صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع، بين السوق والقرية، بين النية الحسنة والعنف الرمزي. فتجعلنا نتساءل بجدية: لمن تعود السلطة في تحديد ما هو صالح؟ ومن يملك الحق في القول بأن الآخرين بحاجة إلى تحسين؟
اكتشاف المزيد من قراءات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.



موضوع جدا ثري ومفيد وافر الشكر والتقدير Sent from my iPhone
إعجابإعجاب
شكرا لك
إعجابإعجاب