هل كان “يوم الأرض” فكرة قاتل مضطرب؟

كتب – مات ستاجز لموقع بيوجرافيل
ترجمة – رضوى أشرف

في الثاني والعشرين من أبريل/نيسان 1970، تجمع عشرات الآلاف في حديقة فيرمونت بفيلادلفيا للاحتفال بيوم الأرض الأول: وهو حدث تم تنظيمه لنشر الوعي بخطورة التلوث والمشاكل الأخرى التي تهدد البيئة وسلامة كوكبنا.

المشرف على ذلك الحدث كان إيرا أينهورن، وهو رجل عُرف بـ”الحصان آحادي القرن”، بعد الترجمة الانجليزية لاسمه الأخير، “قرن واحد”. وبعد سنين عدة سيعرف باسم “القاتل آحادي القرن”.

أينهورن كان بمثابة أحد مشاهير فيلادلفيا، وكان نجم صاعد وسط مثقفي وفناني ونشطاء ومرشدي تلك الحقبة. فطبقاً للكاتب جاري لاشمان، مؤلف كتاب “فنون 1960: أوقف عقلك”، كان من ضمن أصدقاء آحادي القرن، المعلم الروحي بابا رام داس، والكاتب فيليب ك. ديك، ومبتكر “ستار تريك” جين رودينبيري، ورائد الفضاء إدجار ميتشيل، والشاعر ألين جينسبيرج وفرانك هربرت مؤلف “دون”. وقد وافق كلا من جينسبيرج وهربرت على إلقاء خطبة بحديقة فيرمونت ذلك اليوم لينضما لعدد من الحضور المميز الذي اشتمل على الناشط رالف نادر، والسيناتور إدوارد موسكي، والفيلسوف آلان واتس.

حقق يوم الأض نجاحًا كبيراً، ووصفه تقرير خاص قدمته أخبار شبكة سي بي إس، “كان بمثابة حفل روك بنفس قدر كونه درس عن البيئة.”

بعلاقاته القوية وآرائه المضادة، كانت مشاركة أينهورن نعمة في ذلك الوقت. من المثير للسخرية أن خلال سنوات قليلة سيصبح ذلك أحد النقاط السوداء في تاريخ يوم الأرض.

عُرف أينهورن وسط الناس بكونه صاحب روح رقيقة وطيبة، ولكن كان هناك ظلام كامن خلف قناع الحب والسلام الزائف الذي كان يظهره. فطبقاً لما كتبه كاتب الخيال العلمي الراحل مارتن جاردنر في كتابه “على الجانب البري”، اشتهر أينهورن بالنرجسية وبحوادث الاعتداء الجنسي. كان شخصية مُتحكمة ويغار لدرجة الجنون على صديقاته، متوقعاً منهم أن يظلوا أوفياء له حتى وإن حاول مداعبة آخريات علناً.  كان أينهورن شاعراً حراً، وكتب قصيدة عن “الحرية” التي اكتشفها عام 1966 عندما حاول قتل امرأة بتحطيم زجاجة صودا على رأسها. كان يكتب في مذكراته تفاصيل أفكاره العابرة عن خنق امرأة أخرى كان على علاقة بها.

انغمس أينهورن كذلك في صداقة ذات طابع غرائبي مع عالم التخاطر النفسي أندري بوهاريش وتلميذه يوري جيللر، الباحث في علم الأجسام الغريبة جاكيس فالي، وآخرون من حول العالم. وفي بداية السبعينيات، استخدم علاقاته مع دور النشر الكبيرة والصغيرة لينشر ويوزع أعمالهم وأعماله.

في مقدمة كتاب بوهاريش باسم “يوري”، كتب أينهورن أنه يؤمن بأن القوى النفسية المزعومة ما هي إلا وسيلة للتواصل مع حضارة فضائية قديمة. بعد ذلك كتب كتابه الخاص “78187880”، وهو عمل غامض سُمي تيمناً برقمه المتسلسل بمكتبة الكونجرس. اهتم أينهورن بنظريات “الطاقة المجانية” للمخترع اليوغسلافي نيكولا تيسلا، وكتب بأن السوفييت استخدموا نظرياته لتطوير تقنيات للتحكم في العقل.

وعلى الرغم من غرابته، استطاع أينهورن أن يجمع الأصدقاء ذوي النفوذ مثل بطاقات البيسبول، من ضمنهم مدراء عدد من الشركات الغنية ممن كانوا يلجأون لأحادي القرن بحثاً عن نصائح فيما يخص المستقبل والتفاعل مع حركات الشباب. وكان مزيج أينهورن من المؤهلات المشكوك فيها والسحر العفوي لها الأثر في حصوله على دعوات لإلقاء محاضرات عن مثل هذه المواضيع في جامعات مرموقة.

عام 1972، التقى أينهورن بهيلين “مولي” مادوكس ووقع في غرامها، وكانت آنذاك في عمر الخامسة والعشرين وتخرجت حديثاً من الجامعة. ومن الواضع أن علاقتهما كانت متوترة، نظراً لمحاولات مادوكس العديدة للتخلص من أينهورن، فقط لتعود له في النهاية كل مرة. عام 1977، تركت أينهورن للأبد، وانتقلت لنيويورك وبدأت بمواعدة رجل آخر. لتختفي بعدها بفترة قصيرة.

أنكر أينهورن، الذي كان لايزال يسكن فيلادلفيا، معرفته بمكان هولي بعد أن بدأت عائلتها باستجوابه. لم يقتنعوا بحججه، ولم يقتنع المحقق الخاص الذي عينوه للتحقيق في القضية كذلك. ولكن بفضل تصريحات الجيران عن رائحة نفاذة منبعثة من الشرفة الخلفية بمنزل أينهورن، تمكنت قوات الشرطة المحلية من الحصول على مذكرة تفتيش، والتي تم تنفيذها في 28 مارس/آذار 1979. وبعد تفتيش غرفة المخزن الواقعة بجوار شرفة أينهورن اكتشفوا صندوق بخاري به جثة محنطة تم الكشف عن هويتها لاحقاً بأنها جثة مادوكس. كان قد جفف الجثة من الدم ووضعها في كيس بلاستيكي محكم قبل وضعها في الصندوق. وعندما استجوبوه بشأن الجثة، كان رد أينهورن، “وجدتم ما وجدتم.”

تم إلقاء القبض على أينهورن، ولكنه خرج بكفالة قدرها 40 ألف دولار بفضل جهود محاميه، والسيناتور الأمريكي المستقبلي ألين سبيكتر. تم الإفراج عن أينهورن بعد أن عرض والديه منزلهما كرهن، وهربا لأوروبا قبل بدء محاكمته بأيام. بعد خروجه من الولايات المتحدة الأمريكية بأمان، سرق هوية أحد داعميه، وتزوج مرة أخرى، وقضى الستة عشر عاماً التالية في التنقل بأنحاء أوروبا.

من المذهل أنه حظى بوجود بعض الداعمين له، ومن ضمنهم كانت باربرا برونفمان، وريثة شركة سيجرام للخمور. وفي عام 1997 ادعت مقالة بـ”فيلادلفيا أنكوارير” بأن برونفمان كانت أحد أسباب راحة أينهورن بإرسالها نقود له عبر حساب بنكي بجزر كايمان. كانت أحد الأشخاص الذين تكفلوا بتمويل حياته أثناء هروبه.

تم القبض على أينهورن عام 1997 أثناء وجوده بفرنسا تحت اسم مستعار. وبعد معركة قضائية استمرت لأربع سنوات حول قضية تسليمه، تم ترحيل أينهورن للولايات المتحدة الأمريكية ليواجه العدالة. ولم يستجب أحد لادعاؤه بأن وكالة المخابرات المركزية لفقت تلك التهم، ونُقل بعدها مباشرة لسجن في بنسلفانيا ليقضي عقوبته بالسجن مدى الحياة.

لم ينته إحساس جنون العظمة لدى أينهورن بسجنه. فاستمر بالادعاء بأن كل تلك التهم تم تلفيقها، ويدّعي بأنه “أشهر سجين في بنسلفانيا”.

تواصلت كيلي كريث، كاتبة من نيويورك قامت بالتواصل بريدياً مع عدد من القتلة المشاهير كجزء من مشروعها “رسائل من الداخل”، مع أينهورن في فترة 2010 – 2011. وفي حوار لها، وصفت كريث أينهورن بأنه “شديد الذكاء” و”ذو شخصية ساحرة” وتقتبس مقالة في “فيلادلفيا ديلي تايمز” يشير فيها الكاتب لأينهورن باعتباره “مريض نفسي.”

لم تتناقش كريث مع أينهورن فيما يخص مسألة يوم الأرض، ولكنه ادعى في مناسبات عديدة بأنها فكرته. وعلى الرغم من علاقات أينهورن القوية وتأثيراته السابقة، إلا أن قليلون هم من قد يدعمون هذا الإدعاء. يعتقد معظم الناس أن يوم الأرض يعود في الأصل للسيناتور جايلورد نيلسون، الذي دعا عام 1969 لسلسلة من المحاضرات العامة عن البيئة.

ولكن للأسف، أينهورن موجود بكل مكان، خاصة في المواقع المتحفظة التي ترى ربط قضية بيئية بقاتل سئ السمعة له فائدة سياسية.

ولكن على الأقل، يبدو أن أينهورن اختفى من الوجود رسمياً. لا يظهر اسمه في الصفحة الإلكترونية لوكالة حماية البيئة ويوم الأرض، أو الموقع الذي تديره لجنة أسبوع الأرض بفيلادلفيا. ويظهر في موقع اللجنة ألبوم الكتروني لصور الحدث، ولكن لا يظهر أينهورن في أياً منها، وهو أمر قد لا يتحمله أحادي القرن أكثر من وجوده خلف القضبان.

.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s