حياتنا في صور: عالم الصورة على السوشيال ميديا

بقلم – كارين روسينبرج نُشر في النيويورك تايمز

ترجمة – عمرو خيري

يجدر بالتذكر أن الاغتراب كان جزءاً لا يتجزأ من التصوير الفوتوغرافي. كتبت سوزان سونتاج في 1977 أن “في حين يقتل الناس الحقيقيون أنفسهم أو يقتلون آخرين، فإن المصور أو المصورة يقفون وراء الكاميرا، ليخلقوا عنصراً ضئيلاً من عالم آخر: عالم الصورة التي ستبقى بعد أن نفنى جميعاً”.

سلسلة مقالاتها بعنوان “عن التصوير الفوتوغرافي” تنبأت أيضاً باعتمادنا الأشبه بالعبودية على الكاميرا: “الاحتياج لتأكيد الواقع وتحسين التجربة بالصور هو استهلاك جمالي أدمنه الجميع”.

لكن كان كلامها هذا قبل الهواتف الذكية والسوشيال ميديا، قبل الاحتياج إلى “تشيير” الصور، قبل الإنستجرام الذي أشترته الفيس بوك بمليار دولار. فعل التقاط الصورة لم يعد كافياً لتأكيد الواقع وتحسين التجربة. “تشيير” الصورة فقط هو القادر الآن على منحنا هذا التأكيد والتحسين للتجربة.

بمعنى آخر، أصبحنا منتجون للجمال. نحوّل صورنا الفوتوغرافية إلى محتوى على البروفايلات والمدونات، ونحن في الوقت نفسه مستهلكون. “عالم الصورة” الذي رصدته سونتاج أصبح جزءاً لا يتجزأ من العالم بشكل عام. إذا نجحت “نظارة جوجل” فسوف يختفي العالم الحقيقي فعلياً.

تطبيق إنستجرام ومثله من التطبيقات الخاصة بالصور لا تسمح لك فحسب بتشيير الصور التي التقطتها بالهاتف الذكي (من خلال التطبيق ذاته أو على شبكات أخرى مثل فيس بوك وتويتر)، إنما تسمح لك أيضاً بالتعديل في الصور باستخدام مجموعة من الفلاتر.

لماذا نريد أن نعدّل صورنا بنهم هكذا؟ لماذا نريد فجأة أن تبدو الصور وكأنها ملتقطة بكاميرات أنالوج قديمة؟ وكيف ترتبط هذه التوجهات بانتشار الهاتف الذكي المصحوب بتطبيقات تعديل الصور، وهي الآلات القادرة على إحداث ثورة في التصوير وإن كانت أغلب الوقت لا تفيد إلا مرتادي المتاحف المزعجين؟

العديد من هذه الفلاتر مصممة لجعل الصور الرقمية (ديجيتال) أشبه بالصور التي كانت تنتجها كاميرات التصوير الفوري قديماً، سواء كانت كوداك براوني أو إنستاماتيك أو البولارويد. النوستالجيا من العوامل ها هنا طبعاً. قد يرغب الأب والأم مثلاً في جعل صور أطفالهما تبدو مثل صور ألبومات العائلة القديمة.

في سياق شبكات السوشيال ميديا، فإن التلاعب بصور الهواتف الذكية يؤدي للتلاعب بزمان ومكان التايم لاين المفترض. أن تضيف على تايم لاين معاصر، على الفيس بوك، صورة التقطتها بالأمس لكن تبدو من عام 1977.

وكأن ملتقطي الصور بالهواتف الذكية يستغلون الفلاتر الرقمية التي توفرها تطبيقات الصور في إلقاء الضوء على المسافة المادية والزمانية التي كتبت سونتاج عنها. لكن الصورة نفسها، حتى وإن تم تعديلها فنياً بمهارة، أصبحت رخيصة ومألوفة بحيث لم تعد ذات قيمة. لكن تجربة مشاركتها (الشير) هي ما يشجعنا فيس بوك على فعله.

وهذا ما يفعله موقع إنستجرام أيضاً. بمعنى آخر: إنها الخطوة الإضافية التي تجعل الصورة الرقمية شخصية أكثر وممتعة أكثر. ليست صدفة أن صور “الحياة الصامتة” للطعام من بين الصور الأكثر انتشاراً على إنستجرام، بالإضافة طبعاً إلى صور الأطفال الصغار والدباديب وغروب الشمس.

هذه الأصناف من الصور، ذات الطابع الفني والراغبة في “الإعجاب” بها، هي من صنوف الإغراق في الاستمتاع بالذات. كتب شويري سيشا قائلاً: “هذه تقنيات رومانسية وطفولية إلى حد ما للصورة. إنها طفولية وتكرس للنوستالجيا. عن الأيام المشرقة والنحلايات التي تطن وقراءة الكتب في البلكونة، وأن تكون إنساناً مغترباً بكل رهافة”.

لن يقول الكثيرون أن هذه الصور فن جيد. إنها ومن منطلق معين وكأنها فن بالوكالة. بالنسبة لإيفا ريسبيني، منسقة التصوير الفوتوغرافي في متحف الفن الحديث، فإن إنستجرام بغض النظر عن جاذبية فلاتره لا يزيد عن تحديث شعار كوداك القديم “أضغط أنت الزر وسوف نتولى الباقي”. هو وعد يعود إلى القرن التاسع عشر. تقول: “إنهم يقولون دعنا نؤدي العمل نيابة عنك، أن تكون أنت منتجاً لشيء مهم وممتع جمالياً. ليس عليك إلا إنتاج الصورة وتشييرها مع أصحابك”.

لكن الهواتف الذكية ستؤثر بلا شك على الفنانين، كما فعلت صور الهواة في الستينيات والسبعينيات، التي وصلت إلى لوحات جيرهارد ريشتر مثلاً أو تشاك كلوز.

إذا فكرنا في الأمر، فقد يكون هذا سبباً آخر لشعبية هذه التطبيقات. ربما وبدلاً من محاولة جعل صورنا الجديدة تبدو قديمة، فإننا نحاول جعل صورنا الجديدة تبدو وكأنها أعمال فنية تحاكي الصور القديمة.

.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s