بقلم – دانيال ليتل من موقع فهم المجتمع
ترجمة – نصر عبد الرحمن
ربما فضل أغلب البشر الحياة في عالم أكثر عدلاً. هناك أساس أخلاقي لتفضيل العدل. ولكن هل يعني هذا أن تضع الدول والمؤسسات الدولية الكبيرة هذا الاعتبار في حسبانها وهي ترسم الاستراتيجيات وتضع الخطط لتحقيق مصالح الحاضر والمستقبل؟ وهل لدى الحكومات أسباب عملية وجيهة للتفكير في عواقب سياساتها وممارساتها على أوضاع العدالة في العالم؟ وماذا عن السياسات والممارسات التي تحاول الدول اتباعها من أجل تأمين الرفاه الاقتصادي المستقبلي، وهل يهتم صناع السياسات بالعواقب التي تؤثر على العدالة الاجتماعية جراء هذه الممارسات؟
هناك سبب تاريخي وعملي للاعتقاد بأن الإجابة هي “نعم”؛ فغياب العدالة يُعد مصدراً للسخط والاستياء والصراع. ولن يتم تجاهل قضية العدالة لوقت طويل؛ فالعدالة هي قضية أمن بالنسبة إلى الدول والمنظمات متعدية الجنسية، وتقتضي الحكمة من واضعي السياسات أن يأخذونها في حسبانهم. ويمكن أن نصيغ هذه الفكرة بعبارة واحدة: العدالة قضية أمن.
وها هو بيان الاتحاد الأوروبي بشأن اهتماماته على المدى الطويل، والتي توضح هذه النقطة على نحو جلي (رابط البيان):
في سياق النمو المستمر للعولمة، تترابط الجوانب الداخلية والخارجية للأمن على نحو لا ينفصم. لقد حقق تدفق التجارة والاستثمارات، والتطور التكنولوجي، وانتشار الديموقراطية لدى العديد من الشعوب، حقق المزيد من الرخاء، بينما اعتبرت شعوب أخرى العولمة بمثابة سبب للإحباط والظلم. وفي الدول النامية، تتزايد معدلات الفقر وانتشار الأمراض كالإيدز إلى حد يثير القلق. وفي العديد من الحالات، يتم ربط الإخفاق الاقتصادي بالمشكلات الاقتصادية والصراعات الدامية. الأمن هو شرط مُسبق للتنمية. ويخلق التنافس على الموارد الطبيعية مزيداً من الاضطرابات. ويُمثل نقص الطاقة اهتماماً خاصاً بالنسبة لقارة أوروبا.
ما هي الحجج النظرية والتاريخية لما خلُص إليه هذا البيان؟
نقدم لكم بعضها.
من الناحية النظرية، هناك عدة نقاط واضحة تماماً. يقلل الفقر المُزمن من ارتباط الناس بمجتمعاتهم، ويقل ارتباطهم أكثر بالمجتمع العالمي. ويؤدي عدم تلبية احتياجات الناس الأساسية إلى زيادة السخط والمقاومة، ولذلك يعتبر الفقر والحرمان من أسباب المقاومة. وهناك دليل حاسم على العواقب الوخيمة لعدم المساواة على سلامة المجتمع؛ وهذه هي النتيجة الأساسية لبحث: على مستوى الروح المعنوية: لما تتزايد المجتمعات تماسكاً كلما تزايدت المساواة. وفي النهاية، من المُرجح أن ينجم عن النفسية الاجتماعية التي تشكلت عبر نظام يتسم بالظلم والاستغلالية، مقاومة وممارسات غير قانونية. ولقد كان “برينتون مور، جونيور” على حق حين ذكر في كتابه عدم العدالة:
في ظل غياب قيم أخلاقية قوية، لن يقوم الساخطون بالعمل ضد النظام الاجتماعي. ومن هذا المنطلق، تصبح الأعراف الأخلاقية على نفس القدر من الأهمية في تغيير النظام الاجتماعي، جنباً إلى جنب مع التغيرات في الهيكل الاقتصادي. ص 469.
وتلخص “جاريث استيدمان-جونز” ما خلص إليه “بريتون مور” في هذه العبارات: “تتمثل حجته في أن البشر في المجتمعات الطبقية يقبلون بتراتبية السلطة، طالما لا يتم فرضها بالقوة، بل عن طريق عقد اجتماعي غير مكتوب، يُلزم الطرفين معاً بمجموعة من الالتزامات المُتبادلة”. (رابط)
لذلك، هناك العديد من الأسباب العملية، التي تعتمد على علم نفس المجتمع ودراسة السياسات المثيرة للجدل، تجعلنا نتوقع أن يؤدي غياب العدالة إلى المواجهة.
وهناك مواقف تاريخية أدى فيها غياب العدالة إلى اضطرابات. لدينا أمثلة مثل انتفاضات العبيد في جميع أنحاء الأمريكتين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ وحركات مناهضة الاستعمار في أفريقيا وآسيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ والمقاومة المستمرة لشعوب بورما وتيمور الشرقية؛ والصراع المستمر من أجل المُساواة في الحقوق من جانب الأمريكيين من أصل أفريقي في الولايات المتحدة، وما يتخلله من أعمال شغب ضخمة في المدن. ولقد تم تكوين مجموعة من المؤسسات الاجتماعية في كل حالة اتسمت بالظلم البين لقطاع عريض من السكان، وتحلى هؤلاء السكان بالشجاعة والعزم في مواجهة الترتيبات المفروضة عليهم.
وتبدو الخلاصة واضحة. إذا أردنا عالماً يسوده القانون وتقل فيه معدلات المواجهات الاجتماعية، فعلينا أن نحرص على العدالة. علينا العمل من أجل خلق نظام يشعر فيه كافة الناس بالرضى عن معظم حاجاتهم الأساسية؛ ويستطيع كل فرد أن يشعر أنه محترم لكونه إنساناً؛ ولا يمكن لشخص ما أن يرى الهيكل الأساسي للحياة الاجتماعية باعتباره استغلالياً.