أصدرت إدارة أوباما قراراً بتقليص إنفاذ قانون الهجرة، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. وقد يُثير هذا القرار لغطاً في المحكمة الدستورية، إلا أن أوباما كان قادراً على إصداره بجرة قلم في أي لحظة منذ 9 أغسطس/آب 2009 (عندما غيرت المحكمة عضويتها). إن تأخره حتى الآن هو مثال آخر من بين أمثلة متعددة على السياسية النفعية التي يتبعها رئيسنا في الوقت الراهن. ولقد اعتبر كثير من المُراقبين هذه الخطوة بمثابة مُحاولة لتقويض التشريع الذي يتبناه نائب فلوريدا السيناتور ماركو روبيو من أجل توفير سياسة أكثر إنسانية للتعامل مع الملايين، أجل الملايين من الأطفال الذين تم جلبهم إلى بلدنا بواسطة آبائهم في خرق لقوانين الهجرة.
ويُعد انتظار أوباما حتى الآن لكي يُصدر القرار دليلاً على احتقاره لجمهور الناخبين بشكل عام، وللجمهور من أصل لاتيني على نحو خاص، إلا أن هذه الخطوة الانتهازية سوف تضيف على الأرجح ميزة سياسية لأوباما، لأن مسؤولية القرار تقع جزئياً على الجمهوريين. لقد أعرب الجمهوريون عن غضبهم لأن المُهاجرين غير الشرعيين يعملون داخل حدودنا. إلا أننا جميعاً، شئنا أم أبينا، نرتبط اقتصادياً بسلسلة من النفاق تتمثل في سياسة الهجرة الراهنة للولايات المتحدة. فنحن سعداء بميزة الأسعار المنخفضة التي أصبحت ممكنة بفضل العمال غير الشرعيين؛ الذي يكدحون مقابل أجر أقل من الحد الأدنى، ونحن، في ذات الوقت، ساخطون على هؤلاء العمال لانتهاكهم قوانيننا. ومازلنا نسعى للحصول على منتجات وخدمات بأسعار أقل، حتى ونحن نعلم أنها في الكثير من الحالات من إنتاج العمال غير الشرعيين.
ولكن هل يقع اللوم في هذا الوضع فقط على من اختاروا إغلاق حدود دولتنا على نحو غير قانوني؟ بالطبع لا يقع عليهم وحدهم. فدون وجود سوق لخدمات هؤلاء العمال، لما حاولوا خوض هذه الرحلة الخطيرة وغير القانونية عبر حدود الولايات المتحدة. ودون وجود شركاء على جانبنا من الحدود، لانخفض معدل الهجرة حتى توقف. وطالما لم تتوقف الهجرة، فهذا يُشير إلى انتقائية بشأن إنفاذ القوانين، وقصر نظرنا حين نغضب لانتهاك هذه القوانين. فعندما تكون السلطات المحلية جادة بشأن إنفاذ القانون ضد البغاء، فإنها تلقي القبض على “الزبائن” كما تلقي القبض على العاهرات. وبالمثل، حين تكون السلطات جادة بشأن الحد من تجارة المخدرات، فإنها تطارد المُتعاطين، ولا تكتفي بالمهربين والموزعين. فلماذا لا يقوم الموكلون بمكافحة الهجرة غير الشرعية بعمل نفس الشيء؟ الإجابة بسيطة. عند اتخاذ تدابير صارمة، فإن رد فعل الجمهور المعتاد هو السخط على تعطيل حركة الإمدادات عبر الحدود، ومنع العمال من الذهاب والإياب إلى أعمالهم، وإبطاء اقتصاد المدن الحدودية.
ومن المُرجح أن يتسبب إنفاذ قوانين الهجرة الراهنة في زيادة أجور العمال غير المهرة، وانخفاض في معدلات الدخل أيضاً. لماذا؟ لأن العمال غير الشرعيين على استعداد لتقبل الوظائف القذرة منخفضة الأجر. وإذا تم ترحيل هؤلاء العمال، فسوف ترتفع الأجور وينخفض عدد من يقبلون هذه الوظائف، ولن يتبقى سوى العمال غير المهرة الذي سيتقاضون أجوراً مرتفعة، بالتالي سيقل دخلنا جميعاً.
وفي الوقت الذي يسهُل فيه فرض عقوبات على العمال غير الشرعيين، تنتشر الإدانة الأخلاقية لما يقعون فيه من زلات. فنحن نسعد بالأسعار المنخفضة ونتقاسم الفائدة من وجود العمال غير الشرعيين، وحين يأتي وقت رجم من ينتهكون القوانين، ينصب تركيزنا فقط على هؤلاء العمال، باعتبارهم الحلقة الأضعف في سلسلة الاقتصاد، وليسوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم. وهناك دعم خفي للهجرة غير الشرعية تقوم به كافة الأطياف السياسية؛ حيث يحشد الجمهوريون للدفاع عن التجارة عندما يطرأ خطر جدي يُهدد الهجرة غير الشرعية، ويرى الديمقراطيون كل عامل غير شرعي صوتاً انتخابياً مُستقبلياً لهم في الانتخابات. والأكثر من هذا، فإن العمال الذين يتعرضون لمنافسة المهاجرين ليسوا أعضاء نقابات، وهو ما يحد من الأثر السلبي للهجرة على الدائرة الأساسية للحزب الديموقراطي؛ حيث يزيد وجود العمال غير الشرعيين من التفاوت النسبي في الأجور الذي تضعه النقابات، ويحمس العمال على الانضمام إليها. (إلا أن هناك اعتبار آخر يجب وضعه في الحسبان، وهو المواطنين الأمريكيين من ذوي الأجر المنخفض: الأكثر تضرراً من الهجرة غير الشرعية، هم من الكتلة الأساسية المؤيدة للديمقراطيين، ومن غير المُرجح أن يتغير ولائهم جراء التغيرات في قوانين الهجرة).
ماذا يعني هذا بالنسبة للسياسة؟ يعني من الناحية الأخلاقية أننا نتقاسم المسؤولية بشأن الوضع الراهن لملايين، وربما عشرات الملايين، من الذين يعيشون داخل حدودنا وهم يُخالفون قوانين البلاد. لقد عاش هؤلاء الناس بيننا، في بعض الحالات، لعقود طويلة. ونحن جميعاً متواطئون فيما يحدث لهم حالياً.. فإذا أرادت أكبر قوة عسكرية في العالم السيطرة على حدودها ومنع المُتسللين، لتمكنت من فعل ذلك منذ أمد بعيد. نحن نتقاسم المسؤولية الأخلاقية لانتهاك قوانيننا من قِبل أُناس أنفقنا أموالاً لتحطيمهم. علينا أن نتقاسم تكاليف وضع حل لهذا الوضع.
ومن ناحية سياسية، يُعد لوم العمال غير الشرعيين جراء كارثة الهجرة الحالية على الحدود المكسيكية تغريباً للأمريكيين من أصول لاتينية. يصل اللاتينيون إلينا باعتبارهم مكسيكيين وكوبيين وسلفادرويين، إلا أننا نستوعب أبنائهم على نحو متزايد باعتبارهم لاتينيين. كما أن الحزب الذي لن يراعي مصالحهم، لن يحظى بتأييدهم. وحتى الآن، يتلاقى الديمقراطيون مع الجناح اليساري للجمهوريين حول هذه القضية، لكونهم ألين جانباً إلى حد ما بشأن السياسة الملموسة، ويتسم خطابهم بنزعة بلاغية تنحاز إلى المهاجرين عندما يصب الأمر في مصلحتهم. ويعمل الوضع الحالي لصالح الديمقراطيين على حساب الجمهوريين. ومع نمو الكتلة التصويتية للأمريكيين من أصل لاتيني، ترتفع فوائد وتكاليف هذا الانقسام بين الحزبين إلى حد كبير.
ومن ناحية المنفعة السياسية بحتة، فالأنسب للديمقراطيين هو إبقاء الوضع على ما هو عليه؛ الاستمرار في إصدار مُذكرات تنفيذية وتوجيه الاتهامات بالتحيز ضد الأمريكيين من أصل لاتيني، وتحاشي أي إصلاح حقيقي. فالإصلاح الحقيقي يضع الديمقراطيين في ورطة- هل يسعون خلف مصالحهم السياسية أم يتخذون موقفاً صحيحاً. وأتمنى التوفيق لضمائرهم. وبالمثل، من ناحية اعتبارات المنفعة السياسية البحتة (وكذلك على أسس أخلاقية رفيعة) يناسب الجمهوريون إصلاح العوار الذي يصيب الوضع الراهن. فليس ثمة صراع بالنسبة للجمهوريين: حيث سيدعم ميكيافللي والمسيح معاً إجراء الإصلاح.
ما هو شكل الإصلاح الفعال؟ نحتاج أولاً إلى إدراك أننا في علاقة طويلة الأمد مع المهاجرين، ومع الدول التي قدموا منها. وبينما نحن نرتب لعبور البضائع للحدود بسلاسة نسبياً، علينا أيضاً السماح بحركة سلسلة نسبياً للعمال. وعلينا إنشاء برنامج يُتيح الإذن للعامل الضيف ويسمح للمواطنين الأجانب بالقدوم إلى بلدنا والعمل فيها. سيجعلهم وضعهم القانوني أكثر استعداداً للجوء إلى خدمات الطوارئ حين يتعرضون لجريمة أو حريق أو حالة صحية طارئة، وسوف يتمكن العامل الحاصل على ترخيص من الإبلاغ عن مخالفات أماكن العمل من حيث نقص إجراءات السلامة. وماذا عن العلاقات طويلة الأمد بين العمال الضيوف والولايات المتحدة الأمريكية؟ سوف تسمح خطة هجرة منطقية للعمال بتجديد الأذن من داخل الولايات المتحدة، وتمكنهم من التقدم للحصول على الجنسية، دون الحاجة إلى العودة إلى أوطانهم.
لماذا لا ينبغي فرض مزيد من الحظر على العمال الأجانب؟ لأن هذا سوف يُعيق اقتصادنا في عالم شديد التنافسية، وسوف يرفع الأسعار، ويقلص دخل معظم الناس. وبالطبع أظهر لنا الوضع الراهن بالفعل أن انتهاج مثل هذه السياسة سوف ينجم عنه زيادة في عدد العمال غير الشرعيين، بكل تعقيداته وتبعاته.
وماذا عن عائلات العمال الضيوف؟ حين نجعل عبور الحدود يسيراً، سنجعل من السهل على العمال ترك عائلاتهم في أوطانهم، حيث تكاليف المعيشة أرخص، ويقومون بزيارتهم بانتظام. يضغط الوضع الراهن، مع ارتفاع تكاليف عبور الحدود، على العمال الذين يجب أن يتركوا أولادهم ولا يروهم وهم يكبرون، ولا يمكنهم إحضارهم إلى الولايات المتحدة بشكل قانوني. والأكثر من هذا، أن عدداً كبيراً من المهاجرين لأسباب اقتصادية يسعون إلى كسب المال الكافي الذي يمكنهم من العودة لأوطانهم وشراء منزل وإنشاء مشروع صغير.. وليس هدف الكثير منهم الحصول على الجنسية الأمريكية.
إن سماح الإصلاح لعائلات العمال الضيوف بالدخول إلى البلاد هو أمر منفصل عن الجوهر الرئيسي لعملية الإصلاح الضرورية. وإذا كانت الحجج الاقتصادية السابقة للإصلاح مُقنعة، فكيف لنا أن نتعامل مع رغبة العمال في إحضار ذويهم من مُنطلق إنساني. علينا أن نجعل إذن السماح بدخول عائلات العمال جزءً متمماً لتصريح دخولهم. وعندما نختار فعلاً السماح بدخول العائلات، علينا أن ندرك حكم التكاليف التي ستتكبدها الحكومة المحلية، إضافة إلى قيامهم بعمل تحويلات مصرفية. في حين يمنح وجود هؤلاء العمال ميزة اقتصادية قومية، يقع عبء تكاليف الخدمات التي يحتاجونها على الحكومات المحلية، وعلى حكومة الولايات المتحدة أن توفر بعض المعونات الاقتصادية للمجتمعات المُتضررة والتي تتحمل هذه النفقات. ونظراً للفوائد الاقتصادية لوجود عمال ضيوف بيننا، يمكن دفع هذه التكاليف من عائدات الضرائب. ومن وجهة نظري الشخصية، أحبذ السماح بدخول عائلات العمال الضيوف، إلا أن هذا الأمر يمكن علاجه على نحو مُنفصل عن التفاصيل الأخرى لبرنامج تصاريح العمال الضيوف.
وماذا “عن الطريق إلى المواطنة”؟ يسعى الأجانب الموجودون هنا بالفعل إلى الحصول على الجنسية بتواطؤ من الحكومة والمجتمع. إنهم لم يخلقوا هذا الوضع الراهن بأنفسهم، وعليهم ألا يدفعوا تكاليف الانتقال إلى سياسة هجرة أكثر عقلانية وحدهم. يجب تسوية الأوضاع القانونية لمن يعملون الآن داخل حدودنا، ويجب منحهم تصاريح عمل مؤقتة، أو تجديد تصاريحهم. ويعني هذا العفو عن الذين انتهكوا القوانين، ويشمل العفو من حرضوهم على فعل هذا، وهم نحن جميعاً. ومن شان هذا أن يوفر نهاية كريمة لصفحة قبيحة من تاريخنا. وبالنسبة للأطفال الذين كبروا بيننا، يجب السماح لهم بالبقاء في بلد أصبح بلدهم. وعلى عكس آبائهم، وعلى عكسنا نحن الذين سعدنا بشراء بضائع وخدمات بسعر أقل بفضل العمال الأجانب، لا يمكن لوم أنباء العمال على الوضع الراهن الذي لم يختاروه بأنفسهم. يحب أن يحدث إصلاح شامل لموضوع الهجرة فوراً، ويجب أن يتخذ شكل قانون.
جون بي لوندرجان، هو أستاذ السياسة والشؤون الدولية بمدرسة دوودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية، جامعة برنستاون.