ماريا بوبوفا – موقع: Brainpickings
ترجمة: رضوى أشرف
من نكون حينما، مقتبسة كلمات هانا آرنت، “نكون برفقة أنفسنا فحسب”؟ فمهما حاولنا تعلم ألا ندع الآخرين يصنفوننا، تستمر التصنيفات في التدافع – تصنيفات تفترض من يجب أن نكون طبقاً لأشخاص آخرين، أو بناء على أفكار أخرى، أو معيار ما يقع خارج حدود من نكون فعلاً.
أحد أهم كتاب عصرنا، أورسولا كروبر لي جوين أثرت في الكثير من الأيقونات الأدبية المعروفة مثل نيل جايمان وسلمان رشدي. أفضل ما تفعله – ويبدو هنا أن البحث عن “أفضل” شئ في عمل مذهل شئ متناقض – أنها تدمج الأنثروبولوجيا، بعلم النفس الاجتماعي، بالحرفية الأدبية الخالصة؛ لتستكشف أفكاراً ومواضيع معقدة، وغالباً ما تكون سهلة ممتنعة. أفكار مثل، من نكون وماذا يعني النوع الاجتماعي (الجندر) بالنسبة لنا – رجال، نساء، أرواح غير محددة الجنس – محاولين السيطرة على الصراع الدائم بين داخلنا وخارجنا، بين الفرد والمجتمع، بين الخاص والعام. هذا ما تناقشه لي جوين في مقال مبهر بعنوان “أقدم نفسي”، والذي كتبته للمرة الأولى كخطاب ألقته في عام 1980، لتعدله لاحقاً مضيفة إياه للكتاب ذات العنوان الجميل وطريقة الكتابة الأجمل، والذي يضم تشكيلة جميلة من كتاباتها، بعنوان “أمواج العقل: مقالات عن الكاتب، والقارئ، والمخيلة”. مسألة أن تتناول موضوع عام منذ الولادة تناوله الخطاب العام باستمرار بطريقة مبتكرة ومقنعة لهو مهمة صعبة – في الواقع، أنها نفس المهمة الصعبة التي اضطلع بها جاك كيرواك عندما حاول الوصول للفرق الحاسم بين العبقرية والموهبة.
وتكتب لي جوين:
“أنا رجل. الآن قد تعتقد أنني قد إرتكبت خطأ سخيفاً عند تحديد جنسي، أو ربما تظن بأنني أحاول خداعك، لأن اسمي الأول ينتهي بحرف أ، ولأنني أمتلك ثلاث صدريات، وحملت خمس مرات، وأشياء أخرى من هذا القبيل قد تكون لاحظتها، تفاصيل صغيرة. ولكن التفاصيل لا تهم، أنا أسبق اختراع النساء بعقود. حسناً، إن كنت تصر على الدقة والتحذلق، لقد اخُترعت النساء لمرات عديدة في أكثر من مكان، ولكن المخترعين لم يعلموا كيف يبيعون المنتج. أسلوبهم في التوزيع كان بدائي ولم يقوموا بأي أبحاث في السوق، وبالطبع ففكرتهم لم تلاق رواجاً. حتى ولو كان مبتكرها عبقري لا بد للفكرة من أن تجد سوقاً لنفسها، وبدا أنه لوقت طويل فكرة النساء لم تتمكن من فعل ذلك. أمثلة مثل أوستن وبرونتي كانتا معقدتين للغاية، وكان الناس يسخرون من المُطالبات بتصويت المرأة في الانتخابات، ومذهب وولف كان سابقاً لأوانه”.
تشير لي جوين أنها عندما ولدت (1929)، “لم يكن هناك سوى رجال” – ولكي لا ننسى، حتى أعظم المفكرين في القرن العشرين من النسوة كانوا يستخدمن لفظ “هو” ليشيروا إلى الجنس البشري بأكمله – وتتلاعب لي جوين بمبدأ هذه اللفظة العالمية.
“هذا من أكون. أنا من ذلك الجنس، ذلك الذي تراه في “إن إحتاج أحدهم للقيام بعملية إجهاض فعليه أن يذهب لولاية أخرى”، أو “الكاتب يعرف نقاط قوته”.” هذا أنا، الكاتب، هو. أنا رجل. ربما لست رجلاً من الدرجة الأولى. أنا مستعدة/مستعد للاعتراف بأنني في الواقع قد أكون رجلاً درجة ثانية أو تقليد لرجل، أتظاهر بأنني رجل. أنا بالنسبة لرجل حقيقي كمثل قطعة من السمك وضعت في الميكرويف مقارنة بسمكة سلمون مشوية بالكامل”.
وتنتقل لي جوين لتتناول مشكلة الجسد، وهي تعد إشكالية في سياق الحديث عن “الذكر”:
“أعترف بذلك، أنا في الواقع تقليد سيئ جداً أو بديل لرجل، وباستطاعتي رؤية ذلك عند محاولتي ارتداء تلك الملابس العسكرية المهلهلة بجيوب الذخيرة وكانت على الموضة ولكنني بدوت كدجاجة مرتدية غطاء للوسادة. تشكيل جسدي خاطئ. الناس من المفترض أن يكونوا نحيلين. ليس بإمكانك أن تكون نحيلاً للغاية، يقول الجميع ذلك، وخاصة المصابون بفقدان الشهية. من المفترض أن يكون الناس بجسد مشدود ومناسب، لأن هذا ما يبدو عليه الرجال عامة، جسد مشدود ومناسب، أو ربما هذا ما يبدأ عليه الرجال حياتهم وهناك من يستمر على ذلك الحال. الرجال أشخاص، الأشخاص رجال، تأكدنا من ذلك، لذلك فالأشخاص، الأشخاص الحقيقيين، الأشخاص من النوع المناسب، جسدهم مشدود. ولكنني لست جيدة في أن أكون أحد هؤلاء الأشخاص، لأني جسدي ليس مشدوداً بأي شكل من الأشكال بل هو قصير وبدين، مع بعض المناطق المغطاة بالدهون. أنا لست مناسبة”.
وعلى سبيل المثال لاختيار شخص قدم الرجولة بشكل صحيح، تشير لي جوين إلى هيمنجواي، هو بكل “لحيته ومسدساته وزوجاته وجمله الصغيرة القصيرة”، وتعود لمحاولاتها اليائسة في أن تصبح رجلاً مع إشارة خاصة للفاصلة المنقوطة وبصيص هام على خطورة فكرة الموت:
“ليس لدي مسدس وليست لدي زوجة واحدة حتى وعادة ما تستمر جملي وتستمر وتستمر، مع الاهتمام ببناء الجملة في كثير منهم. إرنست هيمنجواي كان سيفضل الموت على أن يكترث لبناء الجملة هكذا، أو الفاصلة المنقوطة. أنا أستخدم تلك الفاصلة المنقوطة كثيراً؛ لقد استخدمت إحداها للتو؛ تلك كانت فاصلة منقوطة بعد “الفاصلة المنقوطة”، وواحدة أخرى بعد كلمة “للتو”.
شيئ آخر، إرنست هيمنجواي كان ليفضل الموت على أن يكبر في العمر. وهذا ما فعله. أطلق النار على نفسه. جملة قصيرة. أي شئ أفضل من جملة طويلة، طويلة بطول الحياة. جمل الموت قصيرة ورجولية جداً، جداَ. جمل الحياة ليست كذلك. تستمر وتستمر، كلها مليئة ببناء الجمل وشروط التأهيل والمراجع المربكة والتقدم في السن. وهذا ينقلنا لدليل حقيقي للفوضى التي صنعتها بكوني رجلاً: أنا لست شابة حتى. بحلول الوقت الذي انتهوا فيه أخيراً من صنع النساء، كنت قد بدأت بالتقدم في العمر. وإستمررت بفعل ذلك. بدون خجل. سمحت لنفسي بأن أتقدم في السن ولم أفعل ما قد يوقف ذلك، بمسدس أو أي شئ آخر”.
ولكن ما بين الفاصلة المنقوطة والمسدسات يقع جوهر مشكلة المحاكاة الجندرية – معضلة كيف نفكر ونتحدث عن الجنس:
“أما الجنس فهو مثله مثل رياضة أتابعها بدون شغف، مثل البيسبول. إن طلب مني أن أشاهد رياضة بدلاً من القيام بها، سأختار قفز الحواجز. تبدو الأحصنة جميلة للغاية. وغالباً ما يكون الأشخاص الذين يركبونها أشبه بالنازيين، ولكن مثل كل النازيين فهم يتمتعون فقط بقوة ونجاح الحصان الذي يركبونه، ففي النهاية الحصان هو من يحدد إن كان يريد القفز فوق ذلك الحاجز أو التوقف ليقع النازي على رقبته. الأحصنة ليست ذكية للغاية. ولكن في أي حال، قفز الحواجز والجنس توجد بينهما الكثير من الأمور المتشابهة، على الرغم من أنك تستطيع مشاهدة قفز الحواجز على التليفزيون الأمريكي فقط إن استطعت التقاط قناة كندية، وهو ما لا ينطبق على الجنس. بعد إعطائي فرصة الاختيار، على رغم نسياني أنني أملك الخيار، بالطبع كنت لأختار مشاهدة قفز الحواجز وممارسة الجنس. لن أختار العكس أبداً. ولكنني كبرت كثيراً على ممارسة رياضة قفز الحواجز، أما بالنسبة للجنس، من يعرف؟ أنا أعرف، أنت لا تعرف”.
تقحم لي جوين الكثير من حسها الفكاهي في أكثر جملها جديةً، في حديثها عن مشكلة التقدم في السن – وهي تجسد التناقض بين الأمل واليأس:
“ها أنذا، كبيرة في السن، عندما كتبت هذا كنت في الستين من عمري، “رجل مبتسم في الستين من عمره”، كما قال ييتس، ولكن مجدداً، هو كان رجل. والآن تخطيت السبعين. وهذا كله خطأي. ولدت قبل اختراع النساء، وعشت كل هذه العقود أحاول ان أكون رجلاً جيداً لدرجة جعلتني أنسى محاولة البقاء صغيرة في السن، لذلك لم أفعل. واختلطت كل حواسي ببعضها. فقد كنت شابة ومن ثم فجأة أصبحت في الستين وربما في الثمانين، وماذا بعد؟
ليس الكثير.
أواصل التفكير بأن لا بد من وجود شيئ استطاع رجل حقيقي فعله. شيئ لا يختلف كثيراً عن المسدسات، ولكنه أكثر تأثيراً من زيت أولاي. ولكنني فشلت. لم أفعل شيئاً. فشلت بالكامل في أن أحافظ على شبابي. ومن ثم أنظر للوراء لكل جهودي المضنية، لأنني حاولت فعلاً، حاولت حقاً أن أصبح رجلاً، رجل جيد، وأستطيع أن أرى كيف فشلت في ذلك. أنا في أفضل الأحوال رجل رديئ. تقليد سيئ من الدرجة الثانية بلحية فيها 10 شعرات والكثير من الفواصل المنقوطة. وأتساءل ما كانت جدوى ذلك. أحياناً أفكر في أنه ربما من الأفضل أن أستسلم. أحياناً أفكر في لم لا أتدرب على خياراتي، أتوقف أمام الحاجز، لأدع النازي يسقط على رأسه. إذا لم أصلح في التظاهر بكوني رجل ولم أصلح في البقاء شابة، ربما من الأفضل أن أبدأ بالتظاهر بكوني امرأة عجوز. لست متأكدة أن أحدهم اخترع امرأة عجوز بعد، ولكنها مسألة ربما تستحق المحاولة”.