بقلم – جين بار نُشر بتاريخ 9 سبتمبر/أيلول 2014 في الأنثروبولوجيا الشعبية popanth
تُرجم إلى العربية بتاريخ 11 أكتوبر/تشرين الأول 2014
نُشر هذا العام فيديو على يوتيوب بعنوان “سيارة مكافحة التبول“، لينتشر انتشاراً كبيراً محققاً أكثر من 3 مليون مشاهدة [من 30 أبريل/نيسان 2014 وحتى الآن]. في الفيديو لقطات لرجال في الهند (مدينة مومباي) يتبولون على جذوع الأشجار وفي الشوارع وعلى الجدران في الأماكن العامة.
ثم ومع تصاعد درامي في الموسيقى التصويرية تظهر شاحنة مكافحة التبول. لونها أصفر براق، كبيرة الحجم.. هذا التانك المتنقل الممتلئ بالماء يدور في شوارع المدن وعليه شعار داخل دائرة حمراء “لا تتبول في الشارع” ورسالة بسيطة على ظهر الشاحنة من الخلف “كف عن التبول لنكف نحن”. ثم يستمتع المتفرج بمشاهد للشاحنة وهي ترش بالخرطوم متبولين في الشارع، أثناء فعل التبول على قارعة الطريق.
إن الانتشار السريع لهذا الفيديو يشير إلى أنه أعجب الناس كثيراً. التبول في الأماكن العامة ظاهرة منتشرة في العديد من مدن الهند. هناك جدران يفضلها المتبولون في مختلف الأحياء، ويحاول أصحاب الممتلكات التي وقعت ضحية للتبول على جدرانها أن يمنعوا هذا السلوك بوضع لافتات تحمل رسائل إلهية على الجدران. وأحياناً يكتب الناس ببساطة “ممنوع التبول هنا”.
أحياناً ما تجدي هذه الرسالة وأحياناً ما تفشل في تحقيق الهدف منها. لكنها جميعاً تشير إلى هذه المشكلة المنتشرة في مناطق الهند الحضرية: الرجال يلتفتون ببساطة إلى أقرب جدار ويفرغون مثاناتهم. تتراوح التفسيرات لهذه الظاهرة بين أسباب منها نقص المباول في الأماكن العامة وانعدام الإحساس بالتحضر. وعندما يُسأل الأفراد لماذا يتبولون في الشارع يقولون ليس لدينا وقت لنذهب لدورات مياه أو “لأن الجميع يفعلون هذا”.
لكن ما هو بالضبط الضرر من هذا الأمر؟ كثيراً ما تُذكر الجوانب الصحية للموضوع. في الهند مشكلات كبرى متعلقة بالصرف الصحي، إذ أن 36% فقط من السكان لديهم مرافق صرف صحي متطورة، وهو الأمر الذي يسهم في انتشار الأمراض والوفيات والخسائر الاقتصادية وسوء التغذية. لكن هذه الأمراض وتلك الوفيات سببها الفضلات الناتجة عن التبرز بما تحمل من أمراض معدية؛ إذ يكاد لا يوجد أي مرض يمكن أن ينتقل عن طريق البول. البول بطبيعته سائل معقم. ورغم الحجج والتصورات على نقيض هذا، فإن التبول في الأماكن العامة ليس مصدراً مهماً للأمراض.
على أن هناك أسباب أخرى لاعتبار هذا السلوك مشكلة. رائحة البول مقززة، وأصحاب المحلات الذين تقع محلاتهم إلى جوار الزوايا والنقاط التي يُفضل الناس التبول عندها تبور تجارتهم مع انتشار الرائحة في أرجاء المكان. أضف إلى هذا أن محتوى الأمونيا والأحماض العالي في البول يضر بدهان الحوائط، ويأكل الأحجار ويقتل الحياة النباتية. لكن لعل أهم ما في الموضوع هو الآثار الاجتماعية لكشف العضو الذكري في الأماكن العامة.
في مقال عن دورات المياه العمومية للرجال في أستراليا، كتبت روث باركان أن “بالأساس فإن المراحيض العامة تؤكد على الاختلاف بين الجنسين”. والأمر نفسه ينسحب على التبول في الأماكن العامة. مسموح للرجال – اجتماعياً – بهذا الأمر، وليس مسموحاً بالشيء نفسه للسيدات. عندما يكشف الرجل نفسه هكذا ويتبول أثناء مرور سيدة في الشارع، فهذا يؤدي إلى مشاعر مماثلة بالضبط لما تشعر به السيدة عندما تدخل دورة مياه عمومية تخص الرجال، لكن الاختلاف هنا أن النشاط الذي يتم في دورة المياه العمومية للرجال يحدث في حالتنا هذه في الشارع.
من ثم، تظهر آثار هذا الأمر على مسألة “الملكية”: الأماكن العامة أماكن مملوكة للرجال، والرجال يشعرون بالقوة والنفوذ في تلك الأماكن لدرجة أنهم لا يجدون غضاضة في اللجوء لأعمال تجعلهم في وضع هش وضعيف، مثل كشف ذلك الجزء الأكثر هشاشة والأكثر احتياجاً للحماية في جسد الذكر.
هذه السيطرة على المساحات العامة تأتي في فترة مشحونة بالتوترات فيما يتعلق بالعلاقات الجندرية في الهند. منذ حادث الاغتصاب الجماعي عام 2012 لطالبة في أتوبيس في دلهي (يُطلق عليه أحياناً مسمى “الاغتصاب” اختصاراً)، أصبح العنف الجندري في الهند أكثر انكشافاً على المستويين الوطني والدولي. دلهي تحديداً يُقال عنها إنها غير آمنة للسيدات، وتنتشر فيها أعمال التحرش والاعتداء الجنسي وأشكال أخرى من العنف الجندري.
في هذا السياق أرى أن التبول في الأماكن العامة – مثل التحرش في الشوارع والاغتصاب – هو من أشكال تأكيد الهيمنة على مساحات وأماكن يُفترض فيها أنها عامة للجميع.