حباية وسجارة وكوباية شاي .. جسم الرجل في مصر في عصر الفياجرا: (1): الميلاد السياسي لفياجرا والحرب على ترامادول (*)

يوسف رامز لموقع قراءات** 

 دي بداية سلسلة مقالات بتعرض بالمصري رسالة ماجستير اتقدمت في قسم العلوم الإنسانية بالجامعة الأمريكية السنة دي 2015. الرسالة اسمها “حباية وسجارة وكوباية شاي .. جسم الرجل في مصر في عصر الفياجرا”. هنتكلم عن إزاي حبوب الجنس والحبوب المختلفة اللي احنا بنستخدمها على انها “منشطات جنسية” غيرت وبتغير حياتنا وفهمنا لجسمنا وللجنس. وهنشوف إزاي الحبوب من نوع الفياجرا وفايركتا وديور جوي وسيلاس وتايجر كنج وغيرها بتقف وارها مافيا مصالح شركات دولية ضخمة بتتحكم فينا في أوض النوم. وهنشوف إزاي شركات الأدوية الكبيرة بتتحكم في الاتفاقيات والقوانين الدولية والداخلية المصرية عشان تضمن مصالحها ونلاقي منشط جنسي في مصر بجنيه وربع أو تلاته أوخمسه جنيه بس. وإزاي بعد ما كانت الفياجرا بيشتريها بس اللي معاه خمسين جنيه (وقبل كده كانت بتتهرب بـ 100 جنيه) بقت في أقل من سبع سنين أرخص من طبق كشري.

                        وهنتكلم عن نموذج “الترامادول” وكل عيلة “التامو” وإزاي وامتى الدولة اعلنت الحرب عليهم لما اقتنعت انهم سبب الثورة وإزاي رفعت عقوبتهم بعد الثورة من سنتين تلاته سجن لإعدام!. وإزاي ساعد المدرسين والسواقين والموظفين وغيرهم انهم يقدروا يشتغلوا اتناشر واربعتاشر ساعة وطبعاً في الاخر ناس تانيه هي اللي بتستفيد من شغلهم بجد. إزاي الترامادول اللي خلانا عبيد منتجين، في نفس الوقت ممكن يساعدنا نبتكر طرق مختلفة للمقاومة في الحياة اليومية.

                        رسالة الماجستير كمان هتحكيلنا عن ازاي احنا بنتعامل مع الأدوية في عصر مابقاش ينفع نعيش فيه من غير كيميا. ومن خلال حكاية صيدلية في إمبابة هنشوف إزاي في أقل من عشر سنين بقينا بنستهلك أكتر من نص مليار حباية منشط جنسي في السنة (مع إن مصر كلها فيها 30 مليون راجل فوق سن الـ 14 سنه). وهنحكي إزاي الكيميا اللي في شكل “دواء” بقت عادي “حباية” وبعديها كوباية شاي وسجاره ونكون جاهزين للجنس. وإزاي الجنس بقى الطريقه الوحيدة المتاحة للتدوير ع الأنبساط، بما إنه الطريقه الأسهل في أخر يوم شغل ما بيخلصش، وخصوصا إن أي خروجه أكيد هتكلف اكتر بكتير. وهنحكي عن إزاي الفياجرا وأخواتها المصري والصيني والتراماودل بيتم استخدامهم كهدايا في مصالح حكومية في القاهرة، وإزاي الهدية الشخصية اللطيفة دي هي أهم سبب بيوحد المصلحة كلها وبيمشي الشغل اللي من غير تنشيط المنشطات الجنسية كان ممكن يعطل في البيروقراطية شهور.

(1): الميلاد السياسي لفياجرا والحرب على ترامادول

                        يظهر إنها مسألة وقت قبل ما كل واحد فينا تكون عنده تجربة ما مع حبوب الجنس، العصر اللي احنا عايشينه ما بقاش واضح فيه فين حدود المستشفى وفين اللي مش مستشفى. كل واحد فينا لو مش مريض فهو بيحمي نفسه من المرض. ممكن نفكر مثلاً في حكاية السرطان كلنا بقينا بنفكر ناكل ايه ونشرب ايه وما نشربش ايه عشان ما يجيلناش سرطان، المستشفى بقت في بيوتنا وفي حياتنا اليومية، كام واحد فينا ما بيخدش كيميا سواء في شكل دواء أو في أي شكل تاني، هل بقى ممكن نفكر في اجسامنا من غير كيميا، في الرسالة دي هنشوف هل ممكن نفكر في الجنس اللي هو أحد أهم أنشطة جسمنا من غير كيميا!

                        فياجرا وعيلتها مش بس بتأثر على الجنس لكن بتبني حالة اجتماعية واسعة سماها ناس كتير “عصر الحبة الزرقا”، وهو ده اللي الدراسة بتتبعه.

                        أول مشكلة قابلتني في البحث كانت أن الراجل في الاكاديميا “منزوع الجسم” خصوصاً ما يتعلق بحياته الجنسية  (كل الدراسات حوالين الفحولة وقليل جدا جدا منها حوالين جسد الراجل من غير قوالب من نوع جسد الراجل في الشرق الأوسط أو في الإسلام .. إلخ)، قليل جدا الباحثين اللي اتعاملوا مع جسم الراجل بصفته بني ادم عنده مخاوف واّلام واّمال وعنده خيال وأحلام، بني اّدم.

                         السؤال طبعاً مش ليه الناس عايزه تاخد دواء بيحسن الانتصاب أو دواء تاني بيأخر القذف، لكن السؤال هو إزاي فياجرا وأخواتها اتحولوا من محسنات انتصاب وقذف إلى “منشط جنسي” كل الناس عايزاه.. إزاي “الانبساط” بقى يساوي تقريباً الانتصاب والقذف ومين استفاد من ده وعمل كام من وراه وده معناه إيه في حياة الناس اليومية اللي بيشتغلوا فيها 14 و15 ساعة في اليوم وفي اّخر اليوم بيكونوا محتاجين “يعملوا واحد جامد”.

                         باحثة أمريكية مشهورة اسمها “بوتس” سألت الرجالة والستات عن السعادة الجنسية وأكتشفت ان “خبرات الناس متنوعة” يعني اللي بيبسط حد مش هو نفسه اللي بيبسط التاني، اكتشاف “بوتس” ان الناس مختلفين عن بعض، بالنسبة لأي باحث اجتماعي مش اكتشاف خالص دي حاجه مفروغ منها، لكن بالنسبة لشركات الأدوية الحقيقة ده كان خطر كبير ويمكن حتى خطأ كبير.

                         الموضوع ببساطه أنه علشان نعمل دواء بيعالج “الضعف الجنسي” لازم نحدد إيه هي “العلاقة الجنسية اللي مش شغاله sexual dysfunction ” والأهم إننا لازم نحدد إيه هو “الجنس المثالي sexual standard-function ” وطبعاً مفيش حاجه اسمها كده، كل واحد عنده طريقته وكل زوجين المفروض انهم بيعرفوا إزاي ينبسطوا أو ما ينبسطوش بطريقتهم مش بالطريقه اللي هتعرفها لهم فايزر. وعشان كده مفيش لغاية دلوقتي شركة أدوية ممكن تسمي أي حباية “منشط أو مقوي جنسي”، هي بتسميها جوه النشرة محسن للانتصاب (مش منشط جنسي) بس طبعاً كل الإعلانات التانية بتقول كلام مختلف تماماَ.

                        ومن هنا تبدأ الدراسة، من اللحظة اللي مادة كيميائية بتحسن الانتصاب انتشرت لدرجة إنها أصبحت جزء من حياتنا الاجتماعية كلها، وبقت الناس بتتعامل معاها مش على اعتبار إنها علاج لمشاكل في الانتصاب لكن على انها “عادي”  أو على إنها “منشط جنسي” بيتاخد بالليل مع سجارة وكوباية شاي. في الدراسة دي  استخدمت منهجية البحث الاثنوجرافي بين مجموعة من الموظفين في القاهرة وبالتحديد في إمبابة، وقضيت 3 شهور بأزور صيدلية هناك ومكان العمل بتاع موظفين في منطقة تانية في القاهرة، وطبعاً حللت الإعلانات بتاعت المنشطات والظروف الاقتصادية والسياسية الدولية والمحلية اللي خلت فياجرا واخواتها الصيني والمصري ينتشروا بالشكل ده في فترة قصيرة جدا.

                         سنة 1990 اكتشف عالم مادة لعلاج مشاكل في القلب اسمها سيلدانفيل سترات وأخد نوبل عليها، بعد كام سنه بالصدفه ظهر إن الدواء ده ليه أثر جانبي أنه بيزود الانتصاب، لأنه بيحسن تدفق الدم في الجسم بشكل عام، في 28 مارس 1998 أقرت الجمعية الامريكية للصحة والغذاء الدواء ده على إنه بيحسن “الانتصاب”، على أخر السنة كانت فايزر بايعه منه بحوالي مليار دولار من الحبه الزرقاء.

                        من سنة 1998 إلى 2002 فياجرا اتمنعت في مصر. المتحدث باسم وزارة الصحة ساعتها قال “إن الرجالة المصريين غير الأمريكان”، بما معناه إن الرجالة في مصر مش محتاجين فياجرا، وطبعاً الصحف خاصة الصحف الحكومية هللت واتكلمت عن أد إيه فياجرا خطر على العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية والقيم المصرية وإزاي إن “الستات خايفين” من فياجرا لأن رجالتهم هيتجوزا غيرهم لما ياخدوا فياجرا، و”الجمهورية” قالت إن الستات بيكرهوا وزير الصحة لأنه منع الفياجرا! (طبعاً محدش سأل الستات بس الصحف عرفت لوحدها رأي الستات).

                        خلال السنين الأربعة دي (1998 – 2002) الفياجرا المتهربة كانت متاحة في السوق بأسعار في المتوسط  من  50 إلى  100 جنيه للحباية الواحدة، وفيه عدة أخبار في صفحات الحوادث في الجرايد عن ضبط الستات اللي راجعين من العمرة والحج مهربين الدواء الممنوع (فياجرا).  في الوقت ده شركات كبيرة قدمت عشان تسجل حق إنتاج فياجرا وأخواتها ف مصر منهم فايزر وشركة أمريكية تانية كبيره جدا أسمها إيللي ليلي Eli Lilly (الشركتين دول من أكبر خمس شركات أدوية في العالم ومن أكبر مائة كيان اقتصادي على وش الأرض)، لكن مصر ما ردتش لا بالرفض ولا بالقبول.

                        وهنا تبدأ حكاية الحباية الإعجوبة اللي اتغير لها قوانين وانعقدت عشانها جلسات في مجلس الشعب. الحكاية هتورينا إزاي شبكة المصالح الاقتصادية الدولية والمحلية كانت مهتمه جدا بضمان حقها في إنتاج فياجرا وأخواتها وفي احتكار والسيطرة على السوق (اللي هو في أوض نومنا في الأخر).

                        في أخر ديسمبر 1998 “اللجنة الفنية للأدوية” بوزارة الصحة أقرت عقار السلدانفيل سترات (المادة الفعالة في فياجرا واخواتها) وقالت أنه تبين بعد 18 شهراً من الدراسة أن العقار “فعال واَمن”  بشرط أنه ما يتصرفش أبداً غير تحت إشراف طبيب. قرار اللجنة ما كنش معناه أن فياجرا هيتم انتاجها في مصر. كان لازم الأول الوزير يدي لشركة الحق في إنتاجها في مصر (العقار مش هينتج نفسه لازم حد ينتجه). طب مصر ساعتها ما كنش عندها قانون لحماية الملكية الفكرية في موضوع الأدوية وبالتالي لو الوزير هيصرح بإنتاج فياجرا لأزم يوافق لكل شركة محلية ودولية مقدمة عروض كويسه للإنتاج، وده هيضيع على شركة فايزر مئات الملايين من الجنيهات (هيضيع سبوبة كبيرة). طب يعمل إيه الوزير يستنى لغاية بعد أول أسبوع من يوليو 2002 عشان يدي الحق في انتاج فياجرا لفايزر مصر.

الصورة ليوسف رامز

الصورة ليوسف رامز

                        اشمعنى يوليو 2002؟ الحكاية قديمة شوية، في 1995 مصر وقعت اتفاقية شهيره اسمها التربس TRIPS بتضمن حقوق الملكية الفكرية لحاجات كتير منها الأدوية، الاتفاقية دي ما تدخلش حيز التنفيذ غير في يناير 2000. طيب ليه وزارة الصحة ما ادتش فايزر أو إيلي ليلي حق انتاج الفياجرا ساعتها؟ لأن القانون المصري الموجود ساعتها (قانون الملكية الفكرية القديم لسنة 1949) ما كنش بيتضمن الأدوية، يعني مش من حق شركة تحتكر الحق في إنتاج أي دواء في مصر. وبالتالي كان مطلوب قانون ملكية فكرية جديد يسمح للشركات الدولية بإنها تمنع الشركات المصرية وتمنع بعضها من تقليد الأدوية وبالتالي تقدر فايزر تنتج فياجرا وغيرها من الأدوية لوحدها في مصر. وقد كان، في سنة 2000 قدمت الحكومة مشروع قانون الملكية الفكرية الجديد. القانون الجديد واجه مشكلة كبيره في المجلس لدرجة أن المجلس قعد يناقش فيه سنتين، ولو فاكرين ساعتها ده كان مجلس “الموافق يتفضل برفع يده … موافقة”. ومع ذلك القانون ده بالذات مع إنه متقدم م الحكومة أخد سنتين، ليه! لأن القانون الجديد بيهدد مصالح شركات الأدوية في مصر، اللي مش هتقدر تقلد أي دواء بعد كده، والشركات دي زي ما كلنا عارفين بيملك كتير منها رجال أعمال مهمين جداً وفي نفس الوقت رجال الأعمال دول شخصيات سياسية وقيادات في الحزب الوطنى ـ ساعتها ـ وفي حزب الوفد ـ حتى الاّن.

                        المهم الدنيا قامت والحكومة احتاجت دعم “مفتي الجمهورية” اللي قال إن غش حقوق الملكية الفكرية حرام. وبعد مفاوضات معقده طلع القانون، وفي مرسوم إصداره اللي بيطلعه رئيس الجمهورية (حسني مبارك ساعتها)، كتب الرئيس في التمهيد أنه هيستثني الأدوية من حكاية الملكية الفكرية دي لغاية يناير 2005، لكن ده ما حصلش. وفي نفس الأسبوع اللي صدر فيه القانون، وأخيرا وبعد انتظار أربع سنين، حصلت فايزر على الحق الحصري في إنتاج فياجرا في مصر بسعر 27 جنيه للحباية الـ 50 مليجرام.

                        في 2005 البرلمان ناقش حكاية فياجرا دي تاني ، كان واضح إن فيه ملايين راحت على شركات رجال الأعمال المصريين، والإخوان المسلمين اللي عندهم شركات استيراد أدوية كبيرة جداً ، كانوا زعلانين أكيد، وكانوا 21 % من البرلمان. الإخوان نفسهم بيعتبروا إن تحريك حكاية إنتاج فياجرا مصري بشركات مصرية وفتح الباب لاستيراد اخواتها الصيني والهندي والسوري كان أحد أهم انجازاتهم في برلمان 2005، ومسجلين ده في أول صفحة من كتاب سعد الكتاتني عن إنجازات الإخوان في برلمان 2005.

                        مش واضح إذا كان ضغط رجال الأعمال في مجلس الشعب وغيره هو اللي نجح ولا لأن الموضوع فعلاً كان كبير أوي والدولة محتاجاه لسبب أو لأخر، المهم أنه في يوليو 2006 الحكومة قبلت طلب الشركات المصرية (المتقدم من 8 سنين في 1998) لإنتاج نظائر للفياجرا زي فايركتا وغيرها بسعر يبدأ من 3 إلى 5 جنيه للحباية بدل 27 إلى 50 للحباية الفايزر، وسمحت باستيراد الصيني والهندي والسوري اللي كان متوسط سعره جنيه وجنيه وربع للحباية. بعد ست سنين تاني من الكلام ده وتحديداً في  18 مارس  2012 وزارة الصحة وقعت اتفاقية مع فايزر لتخفيض سعر الفياجرا  الفايزر لعشرة جنيه للحباية 50 مليجرام و 13 جنيه للحباية 100 مليجرام. والسبب برده مش واضح.. بعض الصحف قالت إنها رشوة سياسية بعد الثورة وبعضها قال إنها مسألة اقتصادية عشان فايزر أخدت بالها بعد ست سنين(!!) ان الحباية المصري كويسه والناس بتحبها مع إن تمنها أقل من خُمس تمن الفايزر!

                        الرجالة المصريين استخدموا من سنين طويله حاجات كتير كمحسنات للجنس، مثلاً مرهم البواسير المصري الشهير أبو 175 قرش كان مشهور إنه بيتدهن على القضيب عشان يخدره شوية فيأخر القذف، وكمان استخدموا الحشيش لنفس السبب تأخير القذف، ده غير الوصفات الشعبية المختلفة. لكن الحقيقة ما كنش فيه شركات ضخمة دولية ومحلية تسوق للأدوية دي وبالتالي فضل دايماً استخدامها محدود وفضل لغاية دلوقتي الحشيش والأفيون ممنوعين واستخدامهم فيه شوية قلق.  فايزر وأخواتها من شركات الأدوية المصرية نجحوا من 2002 ومن 2006 لغاية دلوقتي  (يعني في أقل من عشر سنين) نجحوا أنهم يخلوا متوسط حجم السوق المصرية وفقاً لتقارير هيئة البورصة وتقارير شركات متخصصة دولية في حدود مليار جنيه في 2014 وبمعدل نمو سنوي 20% (ده الرسمي غير المتهرب وغير الترامادول). ولو اعتبرنا أن متوسط سعر الحباية عندنا دلوقتي (بإضافة الصيني والهندي) في حدود 2 جنيه فده معناه أن فيه نص مليار حباية (رسمي) بتتاخد في السنة في مصر، ولما نعرف أن مصر أصلا فيها 30 مليون ذكر فوق سن الـ 14 سنة (وفقاً للمركزي للتعبئة والإحصاء في أغسطس 2014) نقدر نشوف حجم انتشار حبوب الجنس المدهش في مصر . من خلال البحث الميداني أغلب المستخدمين لفياجرا وفايركتا وأخواتهم، وهم من كل الأعمار، بيستهلكوا في المتوسط حباية لحبايتين في الأسبوع يعني نقدر نقول أنه في المتوسط واحد من كل 3 رجالة في مصر فوق سن الـ 14 مواظبين على الفياجرا ده غير اللي بيستخدوه فقط في تحيات الأعياد والجواز والمناسبات الاجتماعية المختلفة.

الحرب على الترامادول

                        في البحث الميداني بقيت متأكد أن فياجرا واخواتها مش لوحدهم في حكاية “حبوب الجنس” دي ، وإن الحقيقة أن ترامادول واخواته من عيلة التامو بأنواعهم بينافسوا الفياجرا واخواتها بشده في حكاية تأخير القذف خصوصاً أنهم ما بيجبوش صداع (يعني مش محتاج تاخد معاهم مسكن زي الفياجرا الفايزر والأنواع المصري التانية)، وكمان لأن التامو الأبيض والأحمر بيسببوا حالة من الإنبساط (أو ممكن نسميها الراحة) وبيسكّنوا أي ألم في الجسم وبالتالي فهما مفيدين جداً للي بيشتغل عشرة وأربعتاشر وستاشر ساعة واقف في اليوم زي المدرسين والسواقين والموظفين اللي بيشتغلوا أكتر من شغلانة عشان يعيشوا.

                        الترامادول وعيلته ساعدوا في إن الناس تشتغل زي العبيد طول اليوم لأنه لما خفف الشعور بالألم الناس حست أنه بيدي طاقه، هو الحقيقة ملوش دعوة خالص بالطاقة بس الواحد لما ما يكنش حاسس بالوجع بيقدر يشتغل أكتر. لكن في البحث هيبان في الفصل ده وفي الفصل الرابع (في المصلحة الحكومية) إزاي نفس الحباية اللي خلتنا عبيد أكثر انتاجاً ممكن كمان تكون خلتنا قادرين نتحدى اللي بيستغلنا وبيظلمنا وبيشغلنا عنده.

                        دورت على الترامادول في العالم واكتشفت انه مجرد مسكن متوسط للألم (حتى مش مسكن درجه أولى لأ ده متوسط فقط)، ومع ذلك الدنيا مقلوبة عليه في مصر، ومش ممكن تكتب على أي محرك بحث أكاديمي كلمة ترامادول إلا وتطلع نتايج ليها علاقة بمصر!  الترامادول حكاية في كل شارع وكل مصلحة حكومية في مصر، ده وصل لأنه موضوع للكلام (الجد أو الهزار مش واضح) بين رئيس الجمهورية ومدير مكتبه اللواء عباس كامل في واحدة من تسريبات الرئاسة الشهيرة في 2015 اللي اتشال بعدها رئيس جهاز المخابرات. فقررت أعرف إيه حكاية تاني أهم نجم في عالم “حبوب الجنس”، إيه هي حكاية الترامادول؟

                        مع بداية البحث الميداني في الصيدلية في سبتمبر 2014 ، لو فاكرين، الترامادول اختفى تماماً لدرجة ان الحباية الواحدة وصلت لأكتر من خمسين جنيه بعد ما كان الشريط (عشر حبات) بخمسه وعشرين وبتلاتين جنيه (طبعاً الأسعار اتحسنت دلوقتي شويتين). كلام كتير اتقال أشهره أن الجيش وهو بيقفل الحدود مع ليبيا وهو بيقفل غزه قفل بالمره “الخط الساخن” لتهريب ترامادول، الحقيقة أن الحكاية دي مش مقنعه لأن الدولة حاولت كتير تمنع ترامادول وفشلت ولأن أغلب التامو المتهرب بيجي من البحر وملايين الحبات بتتمسك كل شهر في الجمارك! معنديش إجابة، لكن مهم إننا نعرف امتى وإزاي اتمنع الترامادول في مصر أصلاً لأنه في الحقيقة تاريخ الترامادول تاريخ سياسي بامتياز.

                        الترامادول موجود في مصر من عشرات السنين وبتنتجه شركة أدوية قطاع عام بسعر 175 قرش للحباية، وعمره ما كان ممنوع. فقط قبل الثورة بشهور وزير الصحة اعتبر الترامادول دواء متعلق بالصحة النفسية وبالتالي أوصى بأنه يتصرف بروشتة طبيب ، وبس كده. في الثورة صرح  أكتر من مؤيد لمبارك أن الثوار بياخدوا ترامادول، وكأن ده غلط مع أنه مش ممنوع رسمياً لو أي دكتور صرفه. المهم الموضوع كبر في دماغ الحكومة وفي 14 أبريل 2011 (بعد بداية الثورة بشهرين) أصدر وزير الصحة القرار رقم 172 بإدراج الترامادول في أدوية الجدول فئة “ج”. وبكده الترامادول بقى عليه شوية منع أكتر فلازم الصيدلي اللي يبيعه يحتفظ بالروشته بتاعت الدكتور ولو خالف ده كذا مره يتعملوا محضر بألفين جنيه مخالفه. وبما إن الفئة “ج” دي هزار يعني بتتضمن مثلاً لبان الدكر (في حالة تعاطيه كمخدر) فعقوبة الاتجار في ترامادول بقت جنحه ممكن تخلص على غرامة وشوية أيام حبس ولو القاضي شاف إن القضية جد والكمية كبيره أوي ممكن يدي عقوبة من 3 إلى 5 سنين بحد أقصى.

                        في أحداث محمد محمود 19-24 نوفمبر 2011 ، صرح مساعد وزير الداخلية للأمن المركزي (اللي الصدامات مع قواته أدت لقتل 40 شاب وشابه في خمس أيام) صرح إن المتظاهرين “تحت تأثير الترامادول”. الحقيقة مساعد الوزير ما وضحش يقصد إيه بـ”تحت تأثير الترامادول”؟ هل يقصد أنهم متعاطين للترامادول فقادرين يواجهوا الداخلية لعدة أيام متواصلة من غير الشعور بالإرهاق والألم (هل هو ده اللي خوف الداخلية من ترامادول!) ولا يقصد أنهم تحت تأثير جرعات كبيره أفقدتهم الوعي فبقوا مش فاهمين هما بيعملوا ثورة ليه!

الصورة لحسام الحملاوي: https://www.flickr.com/photos/elhamalawy/6392975237

الصورة لحسام الحملاوي: https://www.flickr.com/photos/elhamalawy/6392975237

                        الداخلية في الحقيقة عندها خبرة مع ترامادول ومعروف أن  لو أي حد غلبان هيتاخد في القسم وبالتالي هيتضرب فإن أحسن واجب يتعمل معاه هو أنه يدخله الحجز شريط تامو فلما يتضرب أو يتعذب ما يتألمش بشده.

                        بعد كده ظهر إن قرار إدراج المسكن المتوسط (ترامادول والعيله) في جدول “ج” مش كفاية، فأقدمت وزراة الداخلية بالتعاون مع وزارة الصحة على قرار من أغرب القرارات في عالم الصيدله في الدنيا كلها. أصدروا القرار رقم 125 في فبراير 2012 بإدراج  المسكن المتوسط في جدول “أ” مع الهروين!! والعالم كله ضحك. نقابة الصيادلة المصرية أعتبرت القرار “كارثه” و “كلام فارغ ملوش أي أصل علمي”، لكن الحكومة أصرت وصدر القرار اللي رفع عقوبة الاتجار في الترامادول من 3 سنين لإعدام. وفي سنتين فقط تحول الترامادول من مسكن متوسط عليه شوية تضييق بيروقراطي في بيعه إلى جنحه ثم إلى جناية اتجار!

                        الداخلية عشان تبرر القرار ده أعلنت لأول مرة عن رقم المضبوط من الترامادول من يناير لأغسطس 2011 وقالت غنها مسكت 87 مليون وستة اّلاف و303 حباية، ودي الحقيقة من المرات القليلة اللي الداخلية عدت اللي صادرته بالحباية الواحدة وأعلنت فيه الرقم. شركة القطاع العام اللي بتنتج ترامادول المصري أعلنت في 2012 إن إنتاجها من الترامادول قل من 75 ألف علبة سنوياً لخمسة اّلاف بسبب القرار ده. أغلب الصيدليات دلوقتي ما بتبعش ترامادول (على الأقل رسمياً، وكتير جدا بيخافوا وبطلوا يبيعوه فعلاَ) لأن بيعه دلوقتي بشكل رسمي مش ممكن يتم من غير “الروشتة الحمراء” المترقمه واللي بتصدر من وزارة الصحة لبعض المستشفيات الكبيرة فقط.

                        في بداية 2015 الحرب على ترامادول وصلت لانتخابات مجلس الشعب واللجنة العليا للانتخابات أشترطت “للياقة الطبية” ان المرشحين يخضعوا لاختبار تعاطي المسكن المتوسط (التامو) ، واللي حصل إن 75% من المستبعدين لعدم اللياقة الطبية كان سبب استبعادهم الترامادول. طبعاَ نتيجة التحاليل دي مثيره للشك لأن معروف إن شريط هرمون منع الحمل (المصري منه بـ 2 جنيه) بيبوظ نتيجة التحليل والترامادول ما يطلعش في التحليل، ليه المرشحين دول ما عملوش كده؟ مش واضح!!

                        هل صحيح إن النظام عرف إن الترامادول اللي بيحقق مصالح ناس كتير في إننا نشتغل عندهم من غير ما نقع من طولنا، ممكن يكون هو نفسه أحد الأسباب اللي خلتنا نقدر نواجهه في التحرير ومحمد محمود وغيره؟ يمكن. هل صحيح إن حكاية السعر الرخيص للمنشطات والمسكنات زي الترامادول والسلدانفيل الهدف منها إن الناس تشتغل أكتر وتنبسط بالليل من غير ما تضيع عليهم وقت الإنتاج؟ ممكن. ده زمان حصل مع السكر الأبيض اللي بعد ما كان من أغلى السلع أكتشفوا أهميته في إنه يدي طاقة للعمال ف بقى بقدرة قادر من أرخص السلع. والأكيد إن شركات الأدوية العملاقة المحلية والدولية عرفت إن فيه كام ساعة بالليل في البيوت وفي أوض النوم ممكن يبيعوا فيها منتجاتهم وكان ما يصحش يضيعوا الفرصة دي فأستغلوها باحتراف كالعادة ونجحوا. وده مش بس في مصر ده في كل العالم تقريباً وكفاية إننا نعرف إن الجيش الأمريكي أشترى لجنوده في 2014 بـ 500 مليون دولار فياجرا وسيلاس (عضو جديد صاعد في العيله) وده الرسمي اللي من خلال التأمين الصحي بتاع البنتاجون.

……………………………….

* قراءات هتعرض في حلقات متتالية خلال الشهرين اللي جايين أجزاء من الفصل التاني والتالث والرابع والخامس من رسالة الماجستير دي وكمان بعض الملاحظات الميدانية الاثنوغرافيه خلال البحث

 الفصل التاني “وظيفة الأسد الإضافية” بيحكي ليه وامتى وازاي الرجالة بيستخدموا “حبوب الجنس” وإزاي بيدورا على “الانبساط” وايه اللي بيخافوا منه وإزاي وظيفة انهم يبقوا “أسود” بقت وظيفة إضافية لازم يشتغلوها زيها زي الأربعتاشر ساعة شغل التانية طول اليوم، وكمان بيحكي بالنسبالهم إيه هو “اللي الستات بيتعودوا عليه” وإزاي حضور المرأة في تخيلهم عن العلاقة الجنسية في نفس الوقت معناه “غياب” دورها في نجاح العلاقة. وإيه هو فهم الرجالة “للانبساط” والفرق بينه وبين “المتعة” وبيسأل إذا كان الرجالة اللي بياخدوا الحبوب بنشاط عارفين بوضوح إيه اللي بيدوروا عليه وممكن يبسطهم في الجنس! وبيسأل عن السياق الأكبر اللي فيه إعلانات “الأسد” و “العلبة الذهبية ..الواحد بميه” محاصره الرجالة في الشارع في المواصلات في التلفزيون في أغاني الأطفال في الأفراح في لقاءات الأسرة، في مكان الشغل، ع القهوة وحتى في الجنازات.

الفصل التالت في “جمهورية امبابة” هيحكي إزاي الصيدلية مش مجرد مكان لييع الأدوية لأ دي مكان الناس بتتفاوض فيه مع ألامها وأحلامها ومخاوفها، وإزاي الصيدلي ده مش مجرد بياع ولا مجرد شاهد صامت على علاقة الكيميا بأجسام زباينه، لأ ده فاعل اجتماعي نشيط ووكيل عن شركات الأدوية الدولية والمحلية وجزء من حياة الناس من وضعها الاقتصادي ومن أشغالها الرسمية وغير الرسمية من أول العمل في الجنس لغاية التحايل على الشرطة والدولة اللي مش مهتمه بحياة وظروف الناس، وكمان هنشوف في الفصل ده ليه “حبوب الجنس” بتباع في علب من حباية واحده، وهنشوف “كود الرجال فقط” في البيع والشراء في الصيدلية، وهنفكر مع بعض إزاي “الجنس رياضه شعبية” هي الأرخص والأسهل لما مفيش وقت ولا مكان ولا فلوس تسمح للرجالة بانهم يزورا أجسامهم.

 في الفصل الرابع “الهدية الجنسية “ هنشوف إزاي شبكة عمل متكاملة نمت حوالين “حبوب الجنس” خاصة الصيني والمستورد والترامادول، و إزاي الشبكة دي تخطت مختلف الحواجز داخل موقع العمل وحتى في مواقع عمل تانية متصله، وإزاي الشبكة دي جمعت مؤيدي السيسي مع الإخوان “الدواعش” مع الأقباط مع الثوريين رغم انهم عادة ما بيكلموش بعض بره الشبكة دي، وإزاي الهدية البسيطة من الفياجرا والترامادول ممكن تكشف مقاومة الموظفين لرغبات الحكومة في رفع تكلفة فواتير الكهباء والتحكم فيها. وإزاي في نفس الوقت بتحدد نمط علاقات القوة داخل موقع العمل. والأهم إزاي النوع من الهدايا هو وسيلة دعاية مهمه جدا خلت حبوب الجنس “عادي” ومقبوله اجتماعياُ بين الموظفين من الكبير للصغير. وهيتكلم الفصل الرابع كمان عن مفهوم “الهدية” في الانثروبوجي وإيه الفرق بين “الهدية” و “السلعه” و “الرشوة”. وإيه دور الهدية في بناء الروابط الاجتماعية والعاطفية وتدعيم المكانة وتحقيق التضامن وغيرها.

الفصل الخامس: “ذات الفياجرا” بيلخص النتايج وبيوري ازاي جسم الراجل في مصر انتقل من مرحلة الإلتزام (بتاعت تنظيم الأسرة والراجل مش بس كلمته الراجل برعايته لبيته وأسرته) لمرحلة الأستعراض بتاعت “لو شايفاك بطه خليك أسد”. وإزاي المصالح اللي بالمليارات من وراء الحبوب وعصر الكيميا غيرت خيال الناس وبالتالي غيرت رغباتهم وفهمهم لجسمهم ودورهم في شبكة العلاقات الاجتماعية. إزاي “حبوب الجنس” سعت لإعادة انتاج أجساد أكثر انتاجاً وفي نفس الوقت لاستغلال مساحة الانتاج المسائي لصالح الشركات دي عشان “موقع الانتاج” يبقى تماماً في كل مكان وكل وقت على مدار الـ 24 ساعة. وإزاي البحث عن الانبساط بقى معتمد على الكيميا اللي ادعت انها قادره تدينا أجساد منضبطة بالساعة وقادرة تنتج الانبساط في الوقت اللي احنا عاوزينه. وفي الختام بيحكي عن إزاي في عصر الفياجرا – عصر الاستعراض المدعوم بالكيميا، فهم جديد لذواتنا ابتدى يظهر واللي الدراسة بتسميه “الذات ـ الفياجرا” “Viagra self” the .

==== لتحميل والإطلاع على النسخة الإنجليزية الكاملة من رسالة الماجستير يمكن تتبع الرابط التالي:

http://dar.aucegypt.edu/handle/10526/4392

** يوسف رامز: باحث مصري معني بالأنثروبولوجيا والبحث الإثنوجرافي.